غزة: حصار مميت وقمع مستمر.. معركة أبدية من أجل البقاء والعدالة

بقلم: اللواء/ أحمد زغلول مهران
عضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية
رئيس مركز دعم الإبداع والابتكار والوعي المجتمعي
مأساة غزة ليست مجرد عنوان إعلامي، بل هي قصة يومية مليئة بالدماء، الشهداء، والآلام التي لا تكاد تنتهي. ومنذ أكثر من عقدين من الزمن، يواجه مليونان من الفلسطينيين في غزة ظروفاً إنسانية قاسية، جراء الحصار الإسرائيلي المستمر، والعدوان العسكري المتكرر، والتهجير القسري ورغم اعتراف 159 دولة حول العالم بدولة فلسطين، فإن غزة تظل شاهدة على الفارق الكبير بين الخطاب الدولي و الواقع المرير على الأرض لا يكاد يمر يوم إلا ويُسجل فيه سقوط شهداء جدد، وتزايد في أعداد الجرحى والمصابين، بينما تستمر إسرائيل في ممارساتها القمعية دون رادع.
حصار غزة كارثة إنسانية بلا نهاية
منذ عام 2007، دخل حصار غزة مرحلة جديدة من التشديد والقسوة. تتعرض المدينة لأكبر حصار اقتصادي وسياسي في التاريخ الحديث، فرضته إسرائيل على غزة بشكل كامل، حيث تمنع الوصول إلى المواد الأساسية مثل الغذاء، الدواء، والوقود والماء هذا الحصار تجاوز الأزمات في غزة بشكل مرعب، فقد أصبحت الحياة اليومية هناك أشبه بعقوبة جماعية، تعرقلها القيود الإسرائيلية على الحركة والتنقل.
الواقع الصحي المأساوي
فيما يتعلق بالقطاع الصحي، يعيش مستشفيات غزة تحت ضغط غير مسبوق، حيث تعاني من نقص حاد في الأدوية والكوادر الطبية تعرضت العديد من المستشفيات والمرافق الطبية للقصف الإسرائيلي المباشر خلال الحرب الاخيره ، مما زاد من تدهور الوضع الصحي للسكان الجرحى يتوافدون يومياً إلى المستشفيات بالعشرات نتيجة تعرضهم للقصف، وتزداد أعداد الشهداء الذين يسقطون في الهجمات العسكرية.
• الأطفال، وهم الفئة الأكثر عرضة للضرر، يعانون من سوء التغذية الحاد، فضلاً عن التهديدات النفسية الكبيرة جراء الصدمة الناجمة عن القصف المستمر.
• النساء والفتيات ايضاً يعانين من التحديات الصحية، حيث تفتقر مرافق الصحة الإنجابية إلى المعدات والخدمات اللازمة، ما يجعل من الصعب تأمين رعاية صحية كافية.
القتل الجماعي والتدمير المستمر
مع كل عملية عسكرية، تأتي الدماء، وتتعالى صرخات الألم القطاع الذي يقدر عدد سكانه بنحو 2 مليون نسمة يشهد القتل الجماعي على مدار الساعة قصف المنازل، المؤسسات، والمدارس، والمخيمات ، والعراء في إطار سياسات إسرائيلية تهدف إلى إبادة كل شكل من أشكال الحياة في غزة، آباده جماعيه لسكان القطاع، ويعرضهم لمخاطر التشريد و التهجير القسري.
إن قذف الطائرات للأحياء السكنية ويعرضها للدمار، مما يؤدي إلى استشهاد العديد من المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء هذه السياسة لا تقتصر على التهديد المباشر بالحياة فقط، بل تؤدي ايضاً إلى تدمير البنية التحتية، بما في ذلك المدارس و المستشفيات و شبكات المياه والكهرباء.
التهجير القسري مأساة جديدة في غزة
التهجير القسري في غزة ليس أمراً جديداً، ولكن تزايدت وتيرته في السنوات الأخيرة إسرائيل تواصل الضغط على الفلسطينيين لترك أراضيهم، ما يزيد معاناتهم ان سياسة التهجير القسري تتضمن فرض قيود على الفلسطينيين في مناطق مختلفة، وطردهم من منازلهم، إضافة إلى تدمير المزارع والبيوت التي تعد مصدر رزقهم الوحيد.
كما أن الاعتقالات الجماعية لأبناء قطاع تزايدت قبل الحرب الاخيره ، حيث ازدادت عدد الأسرى الفلسطينيين بشكل كبير ،في هذه الأوضاع القاسية، يتطلع سكان غزة إلى إعادة بناء حياتهم رغم العقبات التي تضعها إسرائيل، ولكن الحصار والدمار المستمر يحرمهم من أدنى حقوقهم.
غزة في دائرة الضوء الدولي نداءات لا تجد آذانًا صاغية
رغم أن العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية، مثل الأمم المتحدة و منظمة الصحة العالمية، قد أطلقت نداءات متكررة لرفع الحصار عن غزة، إلا أن إسرائيل لا تزال تواصل سياساتها العدوانية و التوسعية وعلى الرغم من الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، إلا أن غياب الضغط الفاعل من المجتمع الدولي على إسرائيل يجعل الوضع في غزة لا يتحسن.
مواقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي
تقوم الأمم المتحدة بمناشدات مستمرة وتوجيه اللوم لإسرائيل حول استمرار الحصار و الهجمات العسكرية، ولكن دون تحرك حقيقي لفرض عقوبات قانونية على الدولة المحتلة المؤسف أن الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن غالباً ما يقف في وجه أي محاولة لفرض إجراءات قانونية أو عقوبات ضد إسرائيل.
لقد حان الوقت لتوحيد الجهود الدولية والعمل على فرض عقوبات صارمة على إسرائيل، للضغط عليها لإنهاء الاحتلال و العدوان على غزة وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن العدالة لا تتحقق بمجرد تصريحات، بل بحاجة إلى أفعال حقيقية على أرض الواقع.
الدور العربي والإسلامي.. أولوية فلسطين
بينما يتزايد الدعم الدولي لصالح فلسطين، فإن دور الدول العربية والإسلامية لا يزال محدوداً لذا يجب أن تتبنى الأنظمة العربية استراتيجية أكثر تنسيقاً لدعم غزة بما يتعدى الدعم السياسي يُمكن للدول العربية أن تضغط بشكل أكبر على المجتمع الدولي لتغيير موقفه من إسرائيل، عبر التحركات الدبلوماسية و الضغط الاقتصادي.
كما يجب تعزيز دعم السلطه الفلسطينية ومساندة الفئات الأكثر تضرراً في غزة من خلال مساعدات إنسانية مباشرة، والمساهمة في إعادة إعمار غزة بعد كل عملية عسكرية.
مقارنة بين الأبارتهايد في جنوب أفريقيا والسياسات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية
النظام الإسرائيلي في غزة و الضفة الغربية يشبه إلى حد بعيد نظام الأبارتهايد الذي كان قائماً في جنوب أفريقيا خلال القرن العشرين في ذلك الوقت، كان النظام العنصري في جنوب أفريقيا يمارس تمييزاً عنصرياً صارماً ضد السود في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك التعليم، السكن، العمل، و الحرية الشخصية شملت هذه السياسات الفصل العنصري بين البيض والسود، مع فرض قوانين تقيّد حرية الحركة، ومنع السود من امتلاك أراضٍ في المناطق التي تعتبرها الحكومة البيضاء أراضٍ خاصة لهم.
إذا نظرنا إلى غزة و الضفة الغربية اليوم، نجد أن إسرائيل تمارس نظاماً مشابهاً من الفصل العنصري، والذي يفرض قيوداً شديدة على حرية الحركة للفلسطينيين، ويفصل بينهم وبين المستوطنات الإسرائيلية عبر الجدران و الحواجز العسكرية الفلسطينيون في غزة يعانون من حصار خانق ومنعهم من التنقل بحرية إلى باقي الأراضي الفلسطينية أو خارجها وفي الضفة الغربية، يتم تعميق الفصل العنصري عبر الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، في الوقت الذي يُمنع فيه الفلسطينيون من بناء أو توسيع مدنهم على أراضيهم.
بالإضافة إلى ذلك، يواصل الجيش الإسرائيلي سياسة التهجير القسري للفلسطينيين، تماماً كما كان يحدث في نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا مع التهجير القسري للسود من أراضيهم كما أن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين الفلسطينيين السلميين في غزة والضفة الغربية يذكّر بالسياسات القمعية التي كانت تمارس ضد السود في جنوب أفريقيا
السبيل نحو الحرية هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي
في سبيل تحقيق العدالة و الحرية، يظل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو الحل الجذري والمطلب الأساسي للشعب الفلسطيني. كما شهدنا في جنوب أفريقيا، حيث أسفرت المقاومة الشجاعة والتضامن الدولي عن إسقاط نظام الأبارتهايد، يجب على المجتمع الدولي أن يقف بكل قوة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأن يُلزم إسرائيل بالامتثال للقوانين الدولية، والتي تنص على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، إقامة دولتهم المستقلة، و العيش بسلام وكرامة.
إنهاء الاحتلال ضمان للسلام العادل
إن السلام العادل لا يتحقق إلا عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى وقف عمليات التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية على العالم أن يدرك أن استمرار الاحتلال يساهم في تعميق جراح الفلسطينيين ويزيد من تعقيد الأمور على الأرض، مما يحول دون بناء مستقبل مشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
إقرأ أيضاً: التماسك المجتمعي ودور الشباب في نهضة الوطن.. رؤية شاملة ومبادرة عملية قابلة للتنفيذ
إحدى الخطوات الأساسية نحو السلام هي تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مثل قرار 242 و قرار 338، التي تدعو إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة لكن الأسئلة الحقيقية التي يجب على المجتمع الدولي أن يطرحها هي ماذا ننتظر لتحقيق ذلك وكيف يمكن أن يكون الضغوط الفعالة على إسرائيل أكثر صرامة إذا كانت الشرعية الدولية تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فإن على إسرائيل الامتثال لتلك القرارات بدلاً من التوسع في ممارسات القمع والتمييز العنصري.
الحل الشامل والعادل دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية
إن الحل الشامل والعادل الوحيد للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي يكمن في تحقيق دولة فلسطينية مستقلة على الحدود ما قبل 1967، مع القدس الشرقية عاصمة لها هذا الحل يتطلب تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، و الاعتراف الدولي الكامل بفلسطين ومع ذلك، في ظل غياب الضغط الدولي الحقيقي، ما زالت إسرائيل تستمر في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، في انتهاك صريح للقوانين الدولية، الأمر الذي يعوق أي أمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة هذا التوسع الاستيطاني هو بمثابة عقبة كأداء أمام فرص السلام، ويزيد من تعميق الاحتلال و التفريق العنصري بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين.
الضغط الدولي ضرورة لاتخاذ خطوات حاسمة
على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في وضع حد للاحتلال، ويجب أن يكون الضغط الدولي على إسرائيل أكثر فاعلية وأشد قوة في هذا السياق، يمكن النظر إلى حالة جنوب افريقيا كمثال حي فقد لعب الضغط الدولي، بدءاً من المقاطعة الاقتصادية، مروراً بفرض عقوبات على نظام الأبارتهايد، كان له دوراً حاسماً في نهاية تلك السياسات العنصرية.
من المهم أن يتبع المجتمع الدولي اليوم نفس النهج، من خلال:
• فرض عقوبات اقتصادية مستهدفة ضد الشركات والمستثمرين الذين يدعمون التوسع الاستيطاني الإسرائيلي.
• المقاطعة الثقافية والأكاديمية لجميع الأنشطة التي تنظمها إسرائيل في الساحة الدولية.
• حظر صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، خصوصاً الأسلحة التي تُستخدم في الهجمات العسكرية على الفلسطينيين.
الضغط العربي والإسلامي.. استراتيجية موحدة لدعم فلسطين
على العالم العربي و الإسلامي أن يتحمل المسؤولية في دعم قضية فلسطين من خلال اتخاذ خطوات سياسية حاسمة من الضروري أن توحد الدول العربية والإسلامية مواقفها لتصبح أكثر تنسيقاً وفاعلية و يجب أن تتبنى الدول العربية استراتيجية تستند إلى الدعم المالي و السياسي للسلطه الفلسطينية، وإعطاء الأولوية لجهود المقاطعة الدولية لإسرائيل على جميع الأصعدة.
أهمية التنسيق بين الدول العربية لتتجاوز التصريحات السياسية إلى العمل المشترك في محافل مثل الأمم المتحدة، حيث يتعين عليها تقديم مبادرات تستهدف الضغط على إسرائيل كما يجب على الدول العربية أن تسحب استثماراتها من الشركات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، والتوقف عن عقد اتفاقات تجارية مع إسرائيل.
دور المنظمات الدولية.. التفعيل الفعلي للعدالة
منظمات مثل الأمم المتحدة، المحكمة الجنائية الدولية، و منظمة العفو الدولية يجب أن تضغط بشكل أكبر على إسرائيل لإيقاف الاستيطان و التمييز العنصري في الأراضي الفلسطينية ينبغي للمحكمة الجنائية الدولية أن تبذل المزيد من الجهود للتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، وأن تطالب المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في هذه الجرائم بالمساءلة القانونية.
توسيع نطاق التوثيق الدولي لانتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين يمكن أن يساعد في الضغط على الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، لتغيير موقفها تجاه إسرائيل زيادة الوعي العالمي عن هذه الانتهاكات يمكن أن يكون أداة قوية لتغيير المواقف الرسمية.
فى النهايه •• ان معركة فلسطين مستمرة وإن قضية فلسطين هي معركة مستمرة منذ أكثر من سبعين عاماً، وهي تتطلب تكاتف الجهود من أجل الوصول إلى حل عادل يضمن حقوق الفلسطينيين ويضع حداً للاحتلال الإسرائيلي من خلال دعم المقاومة الفلسطينية، الضغط الدولي على إسرائيل، ودعم الحقوق الفلسطينية من قبل الدول العربية و الإسلامية، يمكننا العمل معاً من أجل تحقيق السلام العادل.
إن الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي، كما انتهى نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا إنهاء الاحتلال، بالإضافة إلى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام والعدالة في المنطقة، وضمان حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
الوقت قد حان للعمل لتحرير فلسطين