ساحة الرأي

مصر في قلب الانتصار.. كيف حافظت القيادة السياسية على الشعب الفلسطيني في أرضه وفرضت السلام من أرض القاهرة

حين يتحول الموقف إلى نصر في خضم الأحداث المتسارعة

بقلم: لواء/ د. أحمد زغلول مهران
رئيس الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية
رئيس مركز دعم الإبداع والابتكار وأخلاقيات العلم

والتصعيد العسكري المستمر الذي يعيشه قطاع غزة وفي وقتٍ طغت فيه لغة السلاح على صوت العقل نجحت القيادة السياسية المصرية بقيادة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي في تحقيق إنجاز استراتيجي عظيم لا يقل في أهميته عن الانتصارات العسكرية لقد ابقت مصر الشعب الفلسطيني في أرضه ومنعت مخطط التهجير القسري الذي كان يُحاك تحت ستار المساعدات الإنسانية وفرضت وقفاً لإطلاق النار من أرض القاهرة حيث تبدأ أولى خطوات السلام الحقيقي .

الانتصار هنا لا يُقاس بعدد الضربات العسكرية أو مساحة الأراضي بل يُقاس بعدد الأرواح التي تم الحفاظ عليها وبالكرامة الوطنية التي لم تُفرّط وبالهوية التي تُنتقص هو انتصار نابع من رؤية سياسية حكيمة وموقف وطني راسخ يمثل امتداداً لدور مصر التاريخي تجاه القضية الفلسطينية .

أولاً : السياق الإقليمي والدولي – مصر بين المطرقة والسندان

قبل أن نقرأ ما تحقق يجب أن نفهم حجم التحديات :

• تصعيد غير مسبوق بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية أدى إلى سقوط آلاف الضحايا الأبرياء وتشريد عشرات الآلاف .

• دعوات دولية مشبوهة تحت مسميات الحمايه والإغاثة كانت في جوهرها تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة خاصة نحو سيناء في خطوة خطيرة تهدد الأمن القومي المصري وتنسف القضية الفلسطينية من جذورها .

• ضغط إقليمي ودولي كبير على مصر للقبول بخطط التفريغ السكاني أو لتكون مجرد ممر آمن للمناورات السياسية لا شريكاً في القرار .

وسط هذه الأزمات وقفت مصر موقفاً عظيماً ثابتاً رفضت التهجير وفرضت على المجتمع الدولي أن يتعامل مع الواقع الحقيقي لا مع الأوهام أو المؤامرات .

ثانياً : المبادرة المصرية – تثبيت الهدنة وحماية المدنيين

منذ بداية التصعيد كانت مصر أول من بادر إلى إطلاق مبادرات لوقف إطلاق النار انطلاقاً من دورها كوسيط نزيه وقوة إقليمية مسؤولة وأثمرت الجهود عن الاتى :

• هدنة مؤقتة تم خلالها إدخال المساعدات الطبية والغذائية العاجلة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح .

• فتح قنوات الاتصال بين الفصائل الفلسطينية من جهة والأطراف الدولية من جهة أخرى لتقريب وجهات النظر والبدء بمسار سياسي جاد .

• منع التصعيد الإقليمي عبر احتواء المواقف والضغط لوقف الأعمال العسكرية والتأكيد أن الحل لن يكون عبر السلاح بل عبر حوار سياسي عادل .

لم تكن هذه المبادرات شكلية بل كانت فعالة وميدانية أثمرت في تقليل الكارثة الإنسانية وإعادة التوازن إلى الموقف بعدما فقد كثيرون بوصلتهم أمام الدم والدمار .

ثالثاً : الرفض القاطع للتهجير – ثبات الموقف المصري

من أهم ما يجب توثيقه في هذا المشهد هو أن مصر في أوج اشتداد الحرب رفضت رسمياً وشعبياً وقاطعاً فكرة تهجير الفلسطينيين من أرضهم .

هذا الموقف المصري الثابت ادى إلى الاتى :

• أفشل المخطط الأخطر الذي كان يسعى لإعادة صياغة القضية الفلسطينية على أنها أزمة إنسانية لا قضية سياسية .

• منع تحويل سيناء إلى وطن بديل وأكد أن أمن مصر القومي يبدأ من تثبيت الفلسطيني في أرضه لا نقله الى أرض مصر .

• كشف ازدواجية المعايير الدولية التي صمتت عن القصف وتكلمت فقط حين جاء وقت الإنقاذ – إنقاذ إسرائيل لا فلسطين .

لقد كانت القاهرة صوت العقل والضمير في عالم أصم وأثبتت أن الثوابت لا تُساوَم وأن التاريخ لا يُزوَّر .

رابعاً : فتح المعابر والدعم الإنساني – من القوة إلى الرحمة

مصر لم تكتفِى بالمواقف السياسية بل امتد دورها إلى الإغاثة والمساعدة الإنسانية رغم التعقيدات الأمنية واللوجستية فكان الاتى :

• فتح معبر رفح الحدودي بشكل استثنائي ومنتظم لإدخال مئات الشاحنات من الأغذية والأدوية والوقود .

• استقبال الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات المصرية وتوفير الرعاية الطبية اللازمة .

• إرسال طائرات مساعدات وإغاثة طارئة إلى محيط قطاع غزة وتنسيق الجهود مع الأمم المتحدة والهلال الأحمر .

• تنسيق دبلوماسي رفيع المستوى مع الدول الكبرى لضمان تدفق الدعم .

هكذا جمعت مصر بين القوة السياسية والإنسانية لتكون دولة الموقف والمروءة معاً .

خامساً : القاهرة مركز السلام – المفاوضات تبدأ من هنا

ليس من قبيل الصدفة أن تبدأ المفاوضات في القاهرة فمصر :

• تمتلك علاقات متوازنة مع جميع الأطراف .

• تحظى بثقة المجتمع الدولي والعربي .

• تعرف طبيعة القضية الفلسطينية بتفاصيلها التاريخية والسياسية والإنسانية .

إن مصر لا تفرض الحل لكنها تفرض احترام الحق وتُصرّ على أن يكون أي اتفاق يعكس العدالة لا يكرّس الظلم .

الرسالة واضحة السلام العادل لا يُبنى فوق جثث الأطفال ولا على أنقاض المنازل بل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .

سادساً : التحديات الكبرى التي واجهتها مصر

إن الإنجاز لا يتحقق بلا مواجهة تحديات قاسية من أبرزها :

  1. الضغوط الدولية والإقليمية للقبول بمبادرات ظاهرها إنساني وباطنها تهجير ممنهج .

  2. حملات التشكيك الإعلامي التي استهدفت النيل من الموقف المصري أو تسويقه باعتباره انحيازاً لطرف دون آخر .

  3. الاحتياجات اللوجستية الهائلة التي طلبتها عملية إدخال المساعدات وتنظيم المعابر في ظل استمرار القصف .

  4. التناقضات داخل المشهد الفلسطيني بين القوى المختلفة والتي تُصعّب من مسار المفاوضات .

ومع ذلك واجهت القيادة السياسية المصرية هذه التحديات بحكمة وحنكة وصبر وخرجت بموقف مشرّف أصبح علامة فارقة في إدارة الأزمات الإقليمية .

سابعاً : رؤية نحو المستقبل – من التهدئة إلى الدولة

تتبنى مصر استراتيجية طويلة المدى تقوم على :

• دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة .

• إنهاء الاحتلال ورفض سياسة الاستيطان .

• العمل على إعادة إعمار قطاع غزة .

• المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وتوحيد القرار السياسي .

• تثبيت حقوق اللاجئين الفلسطينيين ورفض توطينهم خارج أراضيهم .

وتدرك مصر أن السلام العادل لا يُمكن فرضه بقوة السلاح أو الضغوط الدولية بل يتحقق فقط إذا اجتمعت الإرادة السياسية والعدالة الإنسانية وهو ما تعمل عليه مصر يوماً بعد يوم .

مصر لا تتراجع – وفلسطين ليست وحدها

في زمن عزّ فيه الثبات وقفت مصر وحدها تحمل على كتفيها همّ شعبٍ بأكمله وتُفشل مخططات إفراغ الأرض من أصحابها إن ما تحقق في هذه الأيام القاسية هو أكبر من مجرد هدنة إنه إعلان واضح على أن :

• الكرامة لا تُشترى ولا تُباع .

• فلسطين ليست صفقة بل وطن وقضية ودماء شهداء .

• وأن مصر كانت وستظل العمق الاستراتيجي للعرب وللقضية الفلسطينية أولاً وأخيراً .

لقد انتصر الرئيس السيسي للشعب الفلسطيني وهو جالس على أرضه لم يُهجّر ولم يُساوم بل رفض وواجه وضحّى بالمواقف السياسية الثابتة

واليوم تبدأ المفاوضات على أرض مصر وتُرسم خرائط السلام من القاهرة وتُكتب صفحة جديدة في كتاب التاريخ عنوانها :

لا تهجير •• لا تنازل •• لا تفريط

وستبقى مصر كما كانت دايماً صوت العروبة وقلعة الحق وقلب الأمة النابض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى