ساحة الرأي

اتفاقية التعاون العسكري السعودي الباكستاني: تحوّل استراتيجي أم بداية سباق تسلح جديد؟

بقلم: د/ ميرڤت عبدالرحمن
استاذ القانون الدولي
رئيس مجلس ادارة اكاديمية جلوري
مساعد رئيس حزب المؤتمر – نائب رئيس الهيئة العليا

يشهد النظام الدولي في المرحلة الراهنة حالة من إعادة التشكّل بفعل التحولات المتسارعة في موازين القوى، والتقارب بين قوى إقليمية صاعدة تبحث عن استقلالية القرار بعيدًا عن الهيمنة الغربية. وفي هذا السياق، تأتي اتفاقية التعاون العسكري بين السعودية وباكستان كخطوة بالغة الأهمية، ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية، بل بما قد تحمله من انعكاسات على التوازنات الاستراتيجية في منطقة الخليج وجنوب آسيا، وصولًا إلى علاقة هذه الدول بالولايات المتحدة.

أولاً: انعكاسات الاتفاق على العلاقات السعودية – الأمريكية

  1. تحدي النفوذ الأمريكي:
    الاتفاقية تمثل رسالة واضحة إلى واشنطن بأن السعودية لم تعد ترهن أمنها القومي بالتحالف التقليدي مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل التراجع النسبي للدور الأمريكي في الشرق الأوسط.
  2. الاستياء السعودي من الانحياز الأمريكي لإسرائيل:
    التوجه الأمريكي في المنطقة، القائم على دعم غير مشروط لإسرائيل، أضعف الثقة الخليجية في واشنطن. ومن ثم فإن الرياض تسعى لبناء بدائل تحقق لها استقلالية استراتيجية أكبر.
  3. ضغوط على السياسة الأمريكية:
    مثل هذه الاتفاقيات تضع واشنطن أمام معضلة: إما إعادة النظر في سياساتها تجاه الخليج، أو المخاطرة بخسارة حلفاء استراتيجيين لصالح قوى أخرى مثل الصين وروسيا.

ثانياً: انعكاسات الاتفاق على العلاقات الأمريكية – الباكستانية

  1. باكستان بين واشنطن وبكين:
    إسلام آباد تاريخيًا حليف للولايات المتحدة، لكنها في العقدين الأخيرين عمّقت شراكتها مع الصين (مشروع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني). اتفاقها مع السعودية يعزز قدرتها على المناورة بين واشنطن وبكين.
  2. القلق الأمريكي:
    واشنطن ترى أن تقارب باكستان مع السعودية قد يمنح الأخيرة جسورًا نحو التقنيات العسكرية الباكستانية (خصوصًا في المجال النووي غير المباشر)، وهو ما قد يُعيد خلط الأوراق في ميزان القوى الإقليمي.

ثالثاً: هل الاتفاق يفتح الباب أمام مسار جديد للدول الخليجية والعربية؟

  1. تعددية الشراكات العسكرية:
    من المرجح أن يشجع الاتفاق دولًا خليجية أخرى على عقد شراكات عسكرية مع قوى آسيوية مثل الهند والصين، تقليصًا للاعتماد على الولايات المتحدة.
  2. التوجه نحو الشرق:
    الانفتاح على الصين والهند وروسيا لم يعد خيارًا ثانويًا، بل بات ضرورة لتعزيز استقلالية القرار العسكري والسياسي.
  3. تراجع “الهيمنة الأمريكية”:
    كل اتفاق جديد من هذا النوع يقلل تدريجيًا من قدرة واشنطن على فرض إملاءاتها على دول المنطقة.

رابعاً: هل نحن أمام سباق تسلح جديد في المنطقة؟

  1. احتمالات متزايدة:
    في ظل تنامي القلق الخليجي من السياسات الأمريكية، وتقاربها مع باكستان والصين، قد نشهد موجة تسليح واسعة النطاق.
  2. انعكاسات على الأمن الإقليمي:
    • ارتفاع مستوى الإنفاق العسكري على حساب التنمية.
    • احتمال زيادة التوترات الإقليمية، خصوصًا مع إيران وإسرائيل.
    • خلق بيئة خصبة لسباق تسلح إقليمي – دولي متشابك.
  3. الخطر الأكبر:
    غياب نظام أمني إقليمي جامع، يجعل أي سباق تسلح محفوفًا بخطر الانزلاق إلى مواجهات مباشرة أو غير مباشرة.

خامساً: التداعيات على موقع الولايات المتحدة في الخليج

  1. خسائر استراتيجية محتملة:
    استمرار دول الخليج في تنويع شراكاتها العسكرية سيؤدي إلى تراجع النفوذ الأمريكي.
  2. تأثير على سوق السلاح:
    شركات السلاح الأمريكية قد تفقد حصصًا كبيرة في أسواق الخليج لصالح الصين وروسيا.
  3. تحولات في التحالفات:
    أي تقارب عسكري سعودي – باكستاني مدعوم صيني قد يدفع واشنطن لإعادة ترتيب استراتيجيتها العسكرية في المنطقة.

الرؤية المستقبلية

اتفاقية التعاون العسكري بين السعودية وباكستان ليست مجرد تفاهم ثنائي، بل هي إشارة لبداية مرحلة جديدة من استقلال القرار الاستراتيجي الخليجي عن الولايات المتحدة. وإذا استمر هذا المسار، فإن العالم قد يشهد سباق تسلح جديدًا في المنطقة، يُهدد الأمن الإقليمي والدولي معًا.

التوصيات

  1. للسعودية ودول الخليج:
    • ضرورة التوازن بين تنويع الشراكات العسكرية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
    • الاستثمار في بناء صناعات عسكرية محلية لتقليل الاعتماد الخارجي.
  2. للولايات المتحدة:
    • مراجعة سياساتها في المنطقة، خصوصًا فيما يتعلق بالانحياز لإسرائيل.
    • تعزيز الحوار الأمني مع دول الخليج لتجديد الثقة المتآكلة.
  3. للنظام الدولي:
    • الحاجة إلى آلية إقليمية جماعية للأمن المشترك (تشمل دول الخليج، إيران، وباكستان) لتفادي الانزلاق نحو صراعات مسلحة.
    • تشجيع الحلول الدبلوماسية للنزاعات القائمة بدلاً من سباق التسلح.

هذه المقالة تضع أمامنا مشهدًا استراتيجيًا معقدًا: بين رغبة الخليج في التحرر من “المظلة الأمريكية”، وبين احتمالية الدخول في سباق تسلح قد تكون له تداعيات خطيرة على الأمن العالم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى