القدس في عين العاصفة.. بين نفخ البوق والحفريات تحت الأقصى هل اقترب الخطر؟

بقلم: اللواء/ أحمد زغلول مهران
مستشار مركز رع للدراسات الاستراتيجية
نائب رئيس حزب المؤتمر – رئيس الهيئة العليا
في زمنٍ تضج فيه المنطقة بالحروب، وتترنح فيه القيم أمام المصالح، تتقدم إسرائيل بخطى ثابتة نحو تنفيذ أخطر مخططاتها تغيير هوية القدس، وتقسيم أو هدم المسجد الأقصى، وبناء ما يُسمى بالهيكل الثالث فوق أنقاضه.
ما يجري اليوم ليس مجرد تصعيد عابر، بل هو تتويجٌ لسياسات استيطانية، ودينية، وأمنية، وعقائدية، تعمل بشكل متوازٍ وممنهج، مستغلةً الانشغال العالمي، والانقسام الفلسطيني، والصمت العربي، والدعم الأمريكي غير المحدود.
وفي قلب هذا المشهد، حدثان بارزان خلال الأسابيع القليلة الماضية يمثلان قفزة نوعية في مشروع تهويد المدينة المقدسة.
اولاً : نفخ البوق “الشوفار” داخل المسجد الأقصى
في أواخر أغسطس 2025، اقتحم مستوطنون متطرفون باحات المسجد الأقصى تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي.
لكن ما جعل هذا الاقتحام مختلفاً عن سابقيه هو ظهور أحد المتطرفين وهو ينفخ في بوق “الشوفار” داخل الحرم القدسي، في مشهدٍ صادم ومقصود، موثق بالصوت والصورة.
في المعتقدات التوراتية، يُستخدم هذا البوق للإعلان عن بداية “زمن جديد” أو “نصر مقدس”، لكنه داخل الأقصى يُحمل دلالة أكثر خطورة إنه إعلان رمزي صريح ببدء “الزمن اليهودي”، وفرض السيطرة العقائدية على المسجد المبارك.
وقد علّق الباحث المتخصص في شؤون القدس، زياد ابحيص، قائلاً:
“النفخ في الشوفار داخل الأقصى هو إعلان انتهاء الزمن الإسلامي في المكان، وبدء مرحلة الهيكل الثالث كزمن عقائدي لليهود.”
ما كان يُعتبر سابقاً تهديداً نظرياً، بات الآن يُمارَس عملياً.
ثانياً : افتتاح “طريق الحُجّاج” اليهود تحت الأرض بمشاركة أمريكية
بالتزامن مع تصاعد العدوان على غزة والضفة، افتتحت سلطات الاحتلال مشروعاً أثرياً أطلقت عليه اسم “طريق الحُجّاج”، وهو نفق يُزعم أنه استخدم قديماً للوصول إلى “الهيكل”، ويمتد من بلدة سلوان إلى ساحة البراق، مروراً بمحاذاة وربما أسفل الأقصى.
المثير أن هذا الافتتاح جرى بحضور وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو”، في إشارة إلى دعم سياسي علني وواضح من واشنطن لمشروع التهويد.
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، صرّح آنذاك بوضوح:
“القدس ستبقى عاصمة موحدة لإسرائيل، ولن تُقسم مجدداً ”
هذه الرسائل ليست رمزية فحسب، بل تؤكد نية الاحتلال في فرض سيادة كاملة – دينية وأثرية وسياسية – على القدس القديمة، بما فيها المسجد الأقصى ط
القدس في قلب معركة غزة والضفة
ما يجري في القدس لا يمكن فصله عن العدوان المستمر على غزة، والذي دخل العامين ، وأدى إلى استشهاد عشرات الآلاف، إصابة مئات الآلاف وتهجير السكان، وتدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل وفي الضفة الغربية، تُسجَّل أعلى معدلات الإعتقالات وهدم المنازل والاقتحامات الميدانية، وتتصاعد عمليات التهجير والاستيطان بوتيرة متسارعة.
الاحتلال يستخدم غزة كغطاء ناري، والضفة كمسرح أمني، والقدس كجائزة نهائية في معركة السيطرة الشاملة.
بينما تُباد غزة بالسلاح، تُغتصب القدس بالرمز.
السوابق التهويديه خطوات محسوبة منذ عقود
• الاقتحامات اليومية للأقصى وتحويل باحاته إلى مسرح طقوس يهودية.
• فرض التقسيم الزماني للمسجد، تمهيداً للتقسيم المكاني.
• حفريات ممنهجة تهدد أساسات المسجد وتُطمس الآثار الإسلامية.
• تضييق على الكنائس وفرض ضرائب على أملاكها، في محاولة لتغيير التوازن الديني في المدينة.
• تشريعات داخل الكنيست لفرض “السيادة الإسرائيلية” على الحرم القدسي.
أين اليونسكو والمجتمع الدولي؟
رغم أن مدينة القدس القديمة مُدرجة ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر في منظمة اليونسكو، لم يصدر عن المنظمة أي تحرك حقيقي مؤثر خلال السنوات الأخيرة.
أما الأمم المتحدة، فقد أصبحت أقرب إلى هيئة إصدار بيانات لا تُقرأ، وقرارات لا تُنفذ.
والاتحاد الأوروبي لا يزال أسير الحسابات الاقتصادية والسياسية، يتحدث عن “القلق” فيما تُرتكب جرائم موثقة.
ومجلس الأمن الدولي بات رهينة للفيتو الأمريكي، الذي شلّ كل المحاولات لمحاسبة إسرائيل على جرائمها المتكررة في فلسطين .
استغلال اللحظة الجيوسياسية لتنفيذ الحلم الصهيوني
إسرائيل تعرف متى تضرب. وهي اليوم تضرب بينما:
• العالم منشغل بأزمات أوكرانيا وتايوان والطاقة.
• العالم العربي مُنهك، ومنقسم .
• الأنظمة مشغولة بالبقاء، والشعوب محاصرة بالأزمات.
• الفلسطينيون محاصرون في غزة، ومطاردون في الضفة، ومهددون في القدس.
إنها لحظة مثالية بالنسبة للاحتلال لتمرير ما لم يكن ممكنًا تمريره في الظروف الطبيعية.
التوصيات: ما العمل؟
دولياً:
1. دعوة اليونسكو لإرسال لجنة تحقيق ميدانية عاجلة حول الحفريات والتعديات في محيط الأقصى.
2. تقديم ملف القدس لمحكمة العدل الدولية باعتباره انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي.
3. الضغط على الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على مسؤولي الاحتلال المشاركين في مشاريع التهويد.
4. تفعيل آليات المساءلة داخل مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
5. تدويل القضية المقدسية عبر جبهة قانونية وإعلامية موحدة.
عربياً وإسلامياً :
1. تمكين الأردن والوقف الإسلامي من ممارسة صلاحياتهم دون عرقلة إسرائيلية.
2. عقد قمة عربية إسلامية استثنائية لإقرار خطة حماية فاعلة للقدس.
3. تفعيل لجنة القدس برئاسة العاهل المغربي ودعم تحركاتها دبلوماسياً وميدانياً.
4. إنشاء صندوق عربي – إسلامي خاص لحماية المقدسات وتمويل التوثيق والتقاضي الدولي.
إعلامياً وثقافياً:
1. إطلاق حملات إعلامية دولية متعددة اللغات عبر وسائل التواصل والمنصات العالمية.
2. إنتاج أفلام وثائقية ومواد مرئية تُفضح فيها انتهاكات الاحتلال بحق القدس.
3. دعم الإعلاميين المقدسيين وحمايتهم من الاستهداف والملاحقة.
شعباً ومجتمعياً:
1. تحرك الجاليات المسلمة والمسيحية في الغرب لتنظيم مظاهرات ضاغطة.
2. مخاطبة البرلمانات العالمية عبر حملات ضغط مدروسة.
3. إشراك النخب الثقافية والدينية والفنية في معركة الوعي والدفاع عن القدس
الخطر نداء من قلب القدس
يا أمة الإسلام، يا صوت الضمير الحي في هذا العالم المريض القدس تناديكم، والأقصى يستغيث، وغزة تحترق، والضفة تنزف!
والعدو لا يكتفي بقتل الجسد، بل يذبح التاريخ، ويمزق الهوية، ويغتال المقدسات! من فوق الأرض إلى ما تحتها من اقتحامات الشوارع إلى نفخ الأبواق من الحفريات التي تهدد الأقصى إلى الأنفاق التي تزعم طريق “الهيكل”،كل شيء يسير بخطى واثقة نحو فرض واقع جديد، لا مكان فيه لهُوية عربية ولا روح إسلامية!
فهل نبقى صامتين؟
وهل نكتفي بالبكاء على الأطلال، بينما تُهدم أطهر الأطلال؟
أما آن للأصوات أن تعلو، وللأقلام أن تكتب، وللشعوب أن تتحرك؟
القدس ليست مدينة كغيرها،
هي مفتاح السماء، وقبلة الأرواح، وميدان المعارك الكبرى بين الحق والباطل منها ابتدأ الإسراء، وإليها يعود الأمل، وعلى ترابها يلتقي نور النبوة بسيف العدل.
فيا من في القلب حبٌّ للأقصى، ويا من في الذاكرة بقايا نداء صلاح الدين،
اعلموا أن الهجمة اليوم ليست عابرة،
إنها زلزال يستهدف العقيدة، والتاريخ، والمقدس، ويهدد أن يهدم الأقصى تحت “أحلام الهيكل” الكاذبة!
فتحركوا قبل أن يُقسّم، واصرخوا قبل أن يُدنّس، وانتفضوا قبل أن يُهدم،
فما بقي من الكرامة شيء إن ضاعت القدس، وما نفع البيانات إن هُدم الأذان، وغابت القبة، وتحوّلت أولى القبلتين إلى أطلال ودمى توراتية!
القدس لا تنادي بقرار بل تنادي بالثبات لا تطلب الشجب، بل الرد لا تبكي على الماضي، بل تنتظر من يصنع المستقبل.
وإن لم نكن نحن… فمن؟
وإن لم يكن الآن… فمتى؟