خطاب نتنياهو في “الأمم المتحدة”: تداعياته السلبية والإيجابية.. رفضه المؤتمر الصحفي.. وتداعيات لقائه مع ترامب

بقلم: اللواء/ أحمد زغلول مهران
عضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية
رئيس مركز دعم الإبداع والابتكار والوعي المجتمعي
في حدث دبلوماسي هام على مستوى العالم، ألقى رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، وهو الخطاب الذي أثار جدلاً واسعاً على الساحة الدولية فقد جاء الخطاب في وقت حساس، حيث تزامن مع استمرار التصعيد في مناطق عدة بالشرق الأوسط، وخاصة القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الأزمة النووية الإيرانية كما رافق هذا الخطاب عدة تداعيات لافتة، أبرزها رفض نتنياهو عقد مؤتمر صحفي بعد خطابه، ما أثار العديد من الأسئلة حول نواياه السياسية والاتصالات المستقبلية على صعيد آخر، شهد اليوم ايضاً لقاءً مثيراً بين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي يمكن أن تكون له تبعات بعيدة المدى على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية والإقليمية.
أولاً : مضمون الخطاب الإسرائيلي في الجمعية العامة
- السرد التاريخي وشرعية إسرائيل
حيث أصر نتنياهو على التأكيد على أن إسرائيل تمتلك حقاً تاريخياً وطبيعياً في الوجود في منطقة الشرق الأوسط، مستنداً إلى الرواية الصهيونية التي تعتبر أن الأرض هي “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” كما شدد على أن إسرائيل تُعتبر ملاذاً آمناً لليهود في العالم، في وقت تعاني فيه المجتمعات اليهودية من تصاعد مشاعر معاداة السامية في أماكن عديدة. -
التهديدات الأمنية والسياسات الإقليمية حيث تكلم نتنياهو في جزء كبير من خطابه عن التهديدات الأمنية التي تواجه إسرائيل، مع التركيز على الخطر الإيراني الذي اعتبره أكبر تهديد للمنطقة والعالم ووجه انتقادات حادة للمجتمع الدولي لتساهله مع إيران، مشيراً إلى ضرورة اتخاذ مواقف حاسمة لوقف برنامجها النووي واحتوائها في المنطقة.
-
السلام الاقتصادي والتعاون الإقليمي حيث أشار نتنياهو إلى تحولات جديدة في السياسة الإسرائيلية تجاه الدول العربية، مبرزاً أهمية اتفاقيات “أبراهام” (التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب) التي ساعدت على فتح أبواب التعاون الاقتصادي والأمني بين إسرائيل وبعض الدول العربية ورغم التقدم في العلاقات مع دول الخليج، إلا أن نتنياهو لم يخفى رفضه القاطع لأي حل عادل لقضية فلسطين يتضمن إعادة الأراضي المحتلة أو حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
ثانياً : التداعيات السلبية للخطاب
-
تصعيد التوترات مع العالم العربي والفلسطينيين:
لقد أثار الخطاب ردود فعل غاضبة من الدول العربية والفلسطينيين الذين اعتبروا تصريحات نتنياهو بمثابة استهزاء بمبادئ السلام والعدالة من ناحية أخرى تبنى نتنياهو بشكلٍ واضح مواقف متشددة حيال القضية الفلسطينية ما جعل الخطاب يصطدم مجدداً بعائق عدم التوصل إلى حل سياسي حقيقي. -
انسحاب الوفود من القاعة:
في حدث غير مسبوق انسحب عدد من الوفود العربية والإسلامية من قاعة الجمعية العامة احتجاجاً على ما وصفوه بالتصريحات الاستفزازية لنتنياهو وهو ما يعكس تصاعد حالة الاستياء الإقليمي والدولي من السياسات الإسرائيلية هذا الانسحاب لم يكن فقط رمزياً بل حمل رسالة سياسية قوية ترفض استمرار الاحتلال الإسرائيلي والاعتداءات على حقوق الفلسطينيين. -
تجاهل المجتمع الدولي لمعاناة الفلسطينيين:
خلال خطابه غاب بشكلٍ لافتٍ الحديث عن الوضع الإنساني للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وهو ما يعزز الانطباع بأن إسرائيل غير مهتمة بإيجاد حلول سلمية حقيقية وبالرغم من الحديث عن السلام الاقتصادى إلا أن ذلك يبقى في إطار التسويف الإسرائيلي بينما تزداد معاناة الشعب الفلسطيني في ظل استمرار الاستيطان.
ثالثاً : التداعيات الإيجابية للخطاب
-
تعزيز التواجد الدولي لإسرائيل:
على الرغم من الهجوم العنيف الذي واجهه نتنياهو من بعض الدول، إلا أن الخطاب عكس ايضاً رغبة إسرائيل في تعزيز موقعها على الساحة الدولية فإسرائيل تسعى إلى تعزيز علاقتها مع القوى الغربية خاصة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية مما قد يؤدي إلى تحسن العلاقات السياسية مع هذه القوى. -
تعزيز علاقات إسرائيل مع الدول العربية المعتدلة:
من خلال تسليط الضوء على اتفاقيات “أبراهام”، حاول نتنياهو تأكيد نجاح هذه الاتفاقيات وأهمية التعاون مع الدول العربية التي تتبنى مواقف أقل تشدداً في ملف الصراع الفلسطيني وبهذا يُظهر نتنياهو للعالم أن إسرائيل ليست في عزلة وأنها قادرة على بناء تحالفات إقليمية رغم استمرار الصراع مع الفلسطينيين. -
وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته بشأن إيران:
ما زال الملف النووي الإيراني يشكل قلقاً كبيراً لإسرائيل وقد استطاع نتنياهو في خطابه أن يُعيد تسليط الضوء على هذا الملف ويدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في مواجهة تهديدات طهران مما يضع ضغطاً على القوى الكبرى لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه إيران.
رابعاً : رفض المؤتمر الصحفي ونتائجه
-
تبريرات نتنياهو لرفض المؤتمر الصحفي:
على خلاف العادة رفض نتنياهو عقد المؤتمر الصحفي المعتاد بعد خطابه وهو ما أثار تساؤلات حول دوافعه وكان التفسير الإسرائيلي الرسمي أن الحكومة لا ترغب في الدخول في “مفاوضات أو ردود غير مجدية”، ولكن هذا الرفض قد يعكس في الحقيقة رغبة في تجنب الأسئلة الصعبة حول ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطيني أو ما قد يُعتبر نقاط ضعف في سياستها تجاه إيران أو فلسطين. -
تداعيات غياب الشفافية:
رفض نتنياهو الإجابة على أسئلة الصحفيين يعكس نقصاً في الشفافية ويعزز الانطباع بأن إسرائيل تتجنب المكاشفة أمام الرأي العام الدولي هذه الخطوة قد تثير المزيد من الشكوك حول نوايا إسرائيل في تحقيق السلام العادل فى المنطقه .
فى النهايه.. خطاب نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة كان بمثابة انعكاس لصراع طويل الأمد بين إسرائيل والمجتمع الدولي حول العديد من القضايا لا سيما القضية الفلسطينية ومع تزايد الضغوط الإقليمية والدولية يبدو أن إسرائيل تسعى إلى تعزيز مكانتها من خلال التحالفات الإقليمية والضغط على القوى الكبرى أما رفض نتنياهو للمؤتمر الصحفي فتظل تداعياته مفتوحة على عدة احتمالات سياسية في حين أن لقائه المحتمل مع ترامب يعكس عمق العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة الرئيس الأمريكي ويعزز من موقف نتنياهو في مواجهة التحديات الدولية القادمة.