ساحة الرأي

صرخة من غزة إلى الضمير العالمي: نُباد وأنتم صامتون!

بقلم اللواء أحمد زغلول مهران
رئيس مركز دعم الإبداع والابتكار والوعي المجتمعي

في قطاع غزة، لا يُقاس الوقت بالساعات، بل بعدد القذائف التي تسقط على المنازل. في كل لحظة، طفل يُقتل، أم تفقد أبناءها، وعائلة تُدفن تحت الأنقاض هذا ليس خيالاً، بل واقع تعيشه غزة منذ أكثر من عام، في ظل صمت عالمي مخزٍ، وتواطؤ واضح .

الموت اليومي •• روتين غزة منذ سنوات

أنا المواطن أحمد أبو يوسف، من حي الشجاعية، دفنت والديّ بيدي ،وفقدت أشقائي الأربعة في لحظة واحدة لم يتبقَّ لي إلا أطفالي الذين أعدّ لهم وجبة من الخبز والماء، وأغطي آذانهم حين يسقط الصاروخ بجوارنا .

ما سيتم تحريره هنا ليس مجرد مأساة شخصية، بل هي قصة متكررة يعيشها آلاف الفلسطينيين يومياً في القطاع المُحاصر.

الغذاء والماء في غزة •• بحثٌ عن الحياة وسط الركام

الحصول على رغيف خبز أو لتر ماء نقي يُعد معركة تنتظر النساء ساعات أمام نقاط التوزيع، ويُصاب الأطفال بالإسهال والأمراض نتيجة شرب المياه المالحة أو الملوثة.

لا طعام متنوع، لا حليب أطفال، لا دواء، لا رعاية صحية حتى أبسط مقومات الحياة محرومة من غزة، عمداً وبقرار سياسي.

كل مكان هدف •• لا ملاذات آمنة في غزة

قُصفت المدارس، المستشفيات، الكنائس، المساجد، مراكز الإغاثة، وحتى خيام النزوح كل مكان قد يتحول في لحظة إلى مقبرة جماعية.

كل فلسطيني في غزة يعيش حالة نزوح داخلي يُجبر على الهرب من حيّه إلى آخر، فقط ليجد القذائف قد سبقت خطاه.

موت بطيء في المستشفيات •• بلا أدوية ولا كهرباء

أصبح المستشفى في غزة محطة وداع، لا للعلاج مرضى السرطان يُتركون دون جرعاتهم، جرحى الحرب يموتون على الأبواب، والأطباء يجرون عمليات بدون مخدر.

الأجهزة الطبية متوقفة، لا كهرباء كافية، ولا وقود، ولا حتى أكياس دم يموت الناس، والعالم يتحدث عن هدنة إنسانية بلا مضمون.

المنظمات الدولية •• عيون ترى وقلوب لا تنبض

رغم أن مشاهد الدمار تُبث للعالم لحظة بلحظة، إلا أن استجابة المنظمات الدولية لا تزال خجولة، باهتة، وفاقدة للفاعلية أين هي المواثيق؟ أين الحماية الدولية للمدنيين؟ أين رد الفعل على جرائم حرب موثّقة بالصوت والصورة؟

الصمت العالمي •• تواطؤ بغطاء قانوني

كل دقيقة من الصمت الدولي، تُمنح كرصيد للآلة الحربية الإسرائيلية هذا الصمت شجّع الاحتلال على التمادي، فزاد القتل، واتسع التدمير، وتكررت المجازر.

المجتمع الدولي اليوم شريك بالجريمة بصمته، وعاجز عن تمثيل القيم التي يتغنى بها في المؤتمرات.

بالصوت العالي •• قادة الاحتلال يُعلِنون نواياهم بلا خجل

في مشهد نادر في التاريخ، لم يعد الاحتلال يخفي نواياه، بل يُعلنها صراحةً على لسان قياداته:

تصريحات رسمية خطيرة:

• بنيامين نتنياهو: “لن تُقام دولة فلسطينية، ولن نُغادر غزة بعد الآن.”
• إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي): “الحل الوحيد هو إخراج الفلسطينيين من غزة… يجب تهجيرهم بشكل كامل.”
• بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية): “من يستضيف قادة حماس سيكون هدفًا عسكريًا ومن يُفكر في دعم فلسطين سيدفع الثمن.”

الترجمة الحقيقية لتلك التصريحات:

• إعلان نية لارتكاب تطهير عرقي شامل.
• إنهاء الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة.
• ترهيب الفلسطينيين في غزة لدفعهم نحو الهجرة القسرية.
• تهديد مباشر لدول ذات سيادة فقط لأنها تستضيف قيادات فلسطينية.

هذه التصريحات تُشكل جرائم حرب معلنة، وهي تمهيد علني لخطة “إسرائيل الكبرى” التي تستهدف السيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية وطرد سكانها الأصليين.

الضفة الغربية والقدس:

مستوطنات تنمو فوق الجراح بينما تُدك غزة بالنار، تنفذ إسرائيل مخططاً استيطانياً غير مسبوق في القدس والضفة الغربية.

الحقائق على الأرض:

• هدم مئات المنازل سنوياً بحجج إدارية .
• منح امتيازات ضخمة للمستوطنين لبناء وحدات سكنية جديدة.
• سرقة الأراضي الفلسطينية بالقوة الغاصبه .
• اقتحامات يومية للمسجد الأقصى، وإجراءات تهويد متسارعة.

الهدف الواضح:

القضاء الكامل على الوجود الفلسطيني الجغرافي والديموجرافي ، وتكريس واقع استيطاني دائم لا رجعة فيه.

الدين لا يُقصف •• غزة تصلي تحت الرماد

رغم تدمير المساجد والكنائس، لم يتوقف أهالي غزة عن أداء طقوسهم الدينية المآذن المهدمة لم تسكت صوت الأذان، والأجراس المتوقفة لم تُنهِى الصلاة.

الدين هنا لم يُستخدم للقتل كما يفعل المحتل، بل أصبح وسيلة للتشبث بالحياة والكرامة.

المساعدات لا تكفي •• لا نريد طعاماً بل كرامة

المساعدات الطارئة التي تصل إلى غزة لا تكفي، ولا تُلبّي احتياجات الحد الأدنى من البقاء ما يُرسل من غذاء لا يُقارن بما يُدمر من حياة.

الفلسطيني لا يريد صدقه •• بل حرية وحقاً وعدالة

أين أنتم يا أمة المليار؟

أين الجيوش العربيه والاسلاميه؟ أين المواقف الموحدة؟ أين الشعوب؟ فلسطين لا تحتاج شعارات أو قمم تُعقد وتُنفض بلا أثر.

نحتاج قرارات حاسمة، خطوات فعلية، ووقفة جادة تليق بمكانة القدس وغزة والمسجد الأقصى في قلوب المسلمين.

التوصيات العاجلة:

  1. تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في تصريحات قادة الاحتلال حول التهجير القسري.

  2. رفع الحصار فوراً عن غزة وفتح الممرات الإنسانية بشكل دائم.

  3. تحريك دعوى جنائية عاجلة في محكمة الجنايات الدولية ضد قادة الاحتلال.

  4. وقف فوري للاستيطان في الضفة الغربية والقدس، ومحاسبة المسؤولين عن هدم المنازل.

  5. فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على الحكومة الإسرائيلية.

  6. تكثيف واستمرار الدعم العربي والإسلامي للشعب الفلسطيني سياسياً، إعلامياً ومادياً .

  7. تنشيط حملة دولية شعبية وإعلامية لدعم غزة وكشف جرائم الاحتلال.

  8. رفض صريح لخطة إسرائيل الكبرى التي تستهدف اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم ودول أخرى تسعى لاستهدافها واحتلالها سلطة الاحتلال الغاشم .

لن نُغادر •• ولن ننكسر

غزة ليست جرحاً، بل نداءً •• ليست مأساةً، بل مقاومة

نحن لا نُقاتل من أجل الموت، بل من أجل الحياة لا نُغادر أرضنا، لأن الأرض هي نحن، والمقاومة ليست خياراً بل قدر.

كل بيت يُهدم، نبنيه بالإرادة

كل طفل يُستشهد، نُقسم على الثأر له بالعلم والصمود

كل لحظة صمت من العالم، نقابلها بصيحة كرامة

مصر: موقف ثابت وجهود إنسانية وشعبية وإعلامية لا تنقطع

في ظل هذا المشهد المأساوي المتكرر في قطاع غزة، تواصل جمهورية مصر العربية أداء دورها التاريخي والإنساني تجاه الشعب الفلسطيني، انطلاقًا من مسؤوليتها القومية وعمقها الجغرافي والاستراتيجي، وحرصها الدائم على التخفيف من معاناة الأشقاء في القطاع.

فمنذ اللحظة الأولى لتصاعد العدوان، بادرت الدولة المصرية إلى فتح معبر رفح البري بشكل استثنائي، لتسهيل دخول المساعدات الإغاثية العاجلة، واستقبال المصابين والحالات الحرجة لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية، مع توفير أطقم طبية متكاملة وتجهيزات على أعلى مستوى، رغم ما تواجهه مصر من تحديات داخلية وضغوط خارجية.

وفي الإطار الدبلوماسي، تبذل مصر جهوداً مكثفة عبر قنواتها الرسمية والأمنية لوقف إطلاق النار الفوري، وفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات، وضمان حماية المدنيين، خاصة النساء والأطفال، الذين يدفعون الثمن الأكبر في هذه الحرب غير المتكافئة كما تواصل القيادة المصرية تحركاتها الفاعلة مع الأطراف الإقليمية والدولية، لإعادة إحياء مسار السلام العادل والشامل، القائم على قرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين.

كما لم يكن الدور الشعبي والإعلامي المصري أقل حضوراً وتأثيراً ،حيث شهدت الساحة المصرية حراكاً واسعاً تضامنياً، عبّرت فيه المؤسسات الأهلية والنقابات والمواطنون عن وقوفهم الكامل إلى جانب الشعب الفلسطيني، من خلال حملات دعم وتبرعات واسعة النطاق، ورسائل تضامن متواصلة.

إقرأ أيضاً: نتنياهو في 11 سبتمبر.. إنهاء الأمل بإقامة الدولة الفلسطينية

أما في الساحة الإعلامية، فقد تصدرت القضية الفلسطينية أولويات الإعلام المصري بمختلف وسائله، الذي حرص على كشف جرائم الاحتلال وتعرية انتهاكاته، ونقل صوت الضحايا إلى الرأي العام المحلي والدولي، في معركة الوعي التي لا تقل أهمية عن المواجهة على الأرض.

وتؤكد مصر، في جميع المحافل، رفضها القاطع لأي محاولة للمساس بالقضية الفلسطينية أو تصفيتها، وتُجدد تمسكها بثوابت الموقف المصري الداعم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

إن مصر، شعباً وقيادة، تنظر إلى ما يحدث في غزة ليس فقط كقضية إنسانية ملحّة، بل كجرح عربي مفتوح، يتطلب من الجميع الوقوف بحزم ومسؤولية وستظل مصر، كما كانت دائمًا، الظهير الصادق والداعم الموثوق للقضية الفلسطينية، حتى ينال شعبها حقوقه المشروعة في الحرية والكرامة والعيش الآمن

رسالة للعالم

أيها العالم: إذا كان صمتكم هو قراركم، فإن كلمتنا هي البقاء، وإذا كان تواطؤكم هو خياركم، فإن مقاومتنا هي عهدنا وإذا كنتم تنتظرون نهايتنا فغزة، والقدس، والضفة، تقول لكم نداء من قلب الركام •• هل من مُغيث؟

غزة لا تموت فقط بالقصف، بل تموت بصمت العالم، بتخاذل القريب، بتواطؤ البعيد نحن لا نطلب صدقات، بل نطالب بحقوقنا الإنسانية نُخاطب ضميركم، نُناشد قلوبكم، نُذكّركم بأنكم بشر مثلنا فارفعوا هذا القهر، وقولوا كلمة حق في وجه هذا الاحتلال الغاشم

هذا التقرير لا ينقل فقط يوميات فرد من غزة، بل هو صرخة من قلب كل فلسطيني صرخة نكتبها بدماء شهدائنا، ودموع أمهاتنا، وآلام أطفالنا العالم كله مسؤول، والتاريخ لا ينسى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى