ساحة الرأي

فلسطين.. مهد الرسالات ومرآة الصراع الأبدي

بقلم: اللواء/ أحمد زغلول مهران
مستشار مركز رع للدراسات الاستراتيجية

فلسطين ليست مجرد رقعة جغرافية، بل هوية حضارية وروحية ضاربة في عمق التاريخ هي الأرض التي قدّسها الله، وسار على ترابها أنبياء الله ورسله، وتجلت فيها معجزات السماء، وتوالت عليها حضارات متعاقبة، تركت كل واحدة منها بصمة، لكنها لم تنتزع منها جوهرها أرض الإيمان والرباط.

قال تعالى:
“يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ”
(المائدة: 21)

فلسطين عبر العصور من الكنعانيين إلى الاحتلال الصهيوني

  1. الحضارات القديمة والهوية الجغرافية
    • استوطنتها قبائل كنعانية منذ الألف الثالث قبل الميلاد.
    • قامت فيها حضارات مزدهرة بمدينة أريحا (أقدم مدينة مأهولة في التاريخ)، ويبوس (القدس لاحقاً).
    • كانت فلسطين مركزاً تجارياً وثقافياً على طريق الحرير القديم، وممراً بين القارات الثلاث.

  2. الفتحات القديمة والغزوات الكبرى
    • دخلتها قوى عدة مثل الفراعنة، الآشوريين، البابليين، الفرس، ثم الإغريق بقيادة الإسكندر الأكبر.
    • استولى الرومان عليها واعتبروها ولاية تابعة، وكانت تحت حكمهم حين بعث الله السيد المسيح عليه السلام.

فلسطين أرض الأنبياء مهد الرسالات السماوية

  1. سيدنا إبراهيم عليه السلام
    • عاش في الخليل، ويُعتبر أباً للأنبياء، ومن نسله جاءت معظم رسالات التوحيد.
    • دُفن في مغارة المكفيلة، أحد أقدس المواقع في فلسطين.

  2. سيدنا موسى عليه السلام
    • قاد بني إسرائيل من مصر نحو الأرض المقدسة، لكنه لم يدخلها، وتُوفي على مشارفها.
    • قال تعالى عن رد قومه عليه:

“فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى ۖ وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا ٱلْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيٓ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِۦ وَمَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ ۖ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ (37)”
(القصص)

  1. سيدنا داوود وسليمان عليهما السلام
    • أقام داوود مملكته في القدس، وكان نبيًا ملكاً.
    • خلفه ابنه سليمان، وبلغ ملكه مَبلغاً لم يصله أحد، وحكم بالعدل، وجدد بناء بيت العبادة في القدس.

  2. السيدة مريم العذراء وسيدنا عيسى عليه السلام
    • وُلدت مريم في القدس، وعُرفت بطهرها وعفتها.
    • أنجبت المسيح عليه السلام في بيت لحم، ودعا إلى عبادة الله وحده، وكانت فلسطين ميدان دعوته.
    •قال تعالى:

“إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ”
(آل عمران: 42)

  1. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والإسراء والمعراج
    • أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به إلى السماوات، مما يرسخ مكانة القدس في الإسلام.
    • قال الله تعالى:

“سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ”
(الإسراء: 1)

الفتح الإسلامي من عهد عمر إلى الدولة العثمانية

• فُتحت القدس عام 637م في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، الذي تسلّم مفاتيح المدينة سلمياً.
• كتب العهدة العمرية التي حفظت حقوق المسيحيين وأماكن عبادتهم
• رفض الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا تتحول مسجداً.

قال عمر رضي الله عنه:

“إنها الأرض التي بارك الله فيها، فلا يُظلم فيها أحد”

• في عهد الأمويين والعباسيين، ازدهرت القدس، وتُوّج هذا ببناء قبة الصخرة ومسجد الأقصى.
• استمرت فلسطين جزءاً من الدولة الإسلامية حتى نهاية الحكم العثماني.

الحروب الصليبية ثم استردادها بقيادة صلاح الدين
• في عام 1099، اجتاح الصليبيون القدس وارتكبوا مجازر، وقتلوا أكثر من 70 ألفاً داخل المسجد الأقصى.
• في عام 1187، حرر صلاح الدين الأيوبي القدس في معركة حطين.

قال صلاح الدين:

“القدس عروس عروبتكم، فلا تجعلوها أرملة بين الأمم”

الاستعمار البريطاني وتمهيد طريق الصهاينة

وعد بلفور 1917البذرة الأولى للمأساة
• منحت بريطانيا اليهود وعداً بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.
• بدأ تسليحهم ودعمهم لاحتلال الأرض وتهجير سكانها.

إقرأ أيضاً: قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة: بين الطابع الاستشاري والالتزام القانوني

الانتداب البريطاني والتواطؤ الدولي

• جرى تسليم فلسطين إلى الحركة الصهيونية عبر دعم عصابات مثل الهاجاناه والأرغون.
• في المقابل، حوصرت المقاومة الفلسطينية، واعتُقل زعماؤها، وقُمعت انتفاضاتها.

نكبة 1948 اغتصاب الأرض وتهجير الإنسان

• في 14 مايو 1948، أُعلنت دولة إسرائيل على أنقاض 531 قرية فلسطينية.
• تم تهجير أكثر من 800,000 فلسطيني من منازلهم، فيما يعرف بالنكبة .
• ساندت الولايات المتحدة وبريطانيا قيام إسرائيل سياسياً وعسكرياً.

الأطماع الصهيونية مخطط لا يزال قائماً

  1. السيطرة الكاملة على القدس
    • محاولات متكررة لهدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم.
    • التهويد الممنهج للأحياء العربية، وطرد السكان الأصليين.

  2. الاستيطان والضم
    • توسيع المستوطنات في الضفة الغربية على حساب الأراضي الفلسطينية.
    • بناء جدار الفصل العنصري، وعزل المدن والقرى.

  3. الحصار والسيطرة على غزة
    • فرض حصار شامل على قطاع غزة منذ 2006.
    • شن حروب متكررة، أوقعت آلاف الشهداء والجرحى، وسط صمت دولي.

دور الولايات المتحدة الدعم المطلق لإسرائيل

• استخدمت الفيتو أكثر من 40 مرة لمنع إدانة إسرائيل في مجلس الأمن.
• دعمت مالياً وعسكرياً الاستيطان، وضرب قرارات الشرعية الدولية.
• نقلت سفارتها إلى القدس في 2018، في اعتراف أحادي ومرفوض.

مصر وفلسطين وحدة الأرض والمصير

• قدمت مصر آلاف الشهداء في حروب فلسطين (1948 – 1973).
• تُعد شريان الحياة لقطاع غزة، عبر معبر رفح.
• تلعب دوراً مركزياً في المصالحة الفلسطينية ورعاية مفاوضات التهدئة.

فلسطين اليوم صمود رغم الألم

الشعب الفلسطيني مستمر في مقاومته، رغم الاحتلال، والحصار، والانقسام ودائماً الشعوب العربيه وأمامهم مصر تقف بجواره حيث ان القضيه الفلسطينيه فى قلب كل عربى كلنا على قلب رجل واحد امام الظلم والقهر والغدر والعدوان

التوصيات

  1. دعم الثوابت الفلسطينية عربياً ودولياً
    • التأكيد على أن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، ورفض أي مساس بهويتها العربية والإسلامية.
    • تبنّي خطاب إعلامي ودبلوماسي موحّد في مواجهة الرواية الصهيونية الزائفة.
  2. تمكين الشعب الفلسطيني ومقاومته
    • تعزيز الدعم السياسي والحقوقي للمقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها المشروعة.
    • دعم الوجود الشعبي والصمود في غزة والضفة الغربية والقدس عبر قنوات دبلوماسية وإنسانية فعّالة.
  3. تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية
    • دعم جهود المصالحة الشاملة بين الفصائل الفلسطينية.
    • إعادة بناء مرجعية وطنية موحّدة تعبّر عن إرادة الشعب وتدير نضاله.
  4. مواجهة الاستيطان وفضح جرائم الاحتلال
    • توثيق جرائم الاحتلال ورفعها إلى المحاكم الدولية.
    • فضح سياسات التهجير والتهويد، والعمل على تصنيف إسرائيل كدولة فصل عنصري في المنابر الدولية.
  5. تعزيز الوجود العربي والإسلامي في القدس
    • تشجيع الزيارات السياسية والدينية للقدس والمسجد الأقصى.
    • دعم سكان القدس عبر برامج تنموية وإغاثية تحافظ على الهوية الديمغرافية والثقافية للمدينة.
  6. تفعيل الدور المصري التاريخي
    • الاستمرار في دور مصر المحوري كضامن للتهدئة والمصالحة الفلسطينية.
    • تكثيف الجهود الدبلوماسية لوقف العدوان، وفتح الممرات الإنسانية لقطاع غزة.

فلسطين ليست مجرد قضية سياسية أو نزاع حدودي، بل هي قضية أمة وهوية وحق مقدّس هي الأرض التي باركها الله، ومسرى الأنبياء، وعنوان لصراع الحق مع الباطل رغم محاولات الطمس والتهويد، ما زال الشعب الفلسطيني شامخاً، ثابتاً، يقدم الشهداء، ويصمد في وجه الحصار والعدوان، دون أن يتنازل عن حقه أو يساوم على مقدساته.

ستبقى القدس بوصلة العرب والمسلمين، وتبقى فلسطين في قلب كل حرّ شريف، وتبقى المقاومة هي اللغة التي يفهمها الاحتلال.

“وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”
(سورة الحج: 40)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى