قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة: بين الطابع الاستشاري والالتزام القانوني

بقلم: د/ ميرڤت عبدالرحمن
استاذ قانون دولي
مساعد رئيس حزب المؤتمر نائب رئيس الهيئة العليا
تُعد الجمعية العامة للأمم المتحدة أحد أهم الأجهزة الرئيسية في المنظمة الدولية، وتمثل فيها جميع الدول الأعضاء على قدم المساواة. وبحكم الميثاق، فإن الجمعية العامة تختص بمناقشة طائفة واسعة من القضايا السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والقانونية، وتصدر بشأنها قرارات وتوصيات. غير أن السؤال الجوهري الذي يُثار هو: هل لهذه القرارات قوة إلزامية أم أنها ذات طابع استشاري فقط؟
الطبيعة القانونية لقرارات الجمعية العامة
تنص المادة (10) من ميثاق الأمم المتحدة على أن للجمعية العامة أن تناقش أي مسألة تدخل في نطاق الميثاق وتصدر بشأنها توصيات. كما تنص المادة (14) على سلطة الجمعية العامة في التوصية بالتدابير السلمية لتسوية النزاعات الدولية.
وبذلك فإن النصوص جاءت واضحة لتؤكد أن قرارات الجمعية العامة في الأصل ليست مُلزمة، بل تُعد توصيات أو آراء استشارية تعكس موقف المجتمع الدولي واتجاهاته السياسية والقانونية.
القيمة القانونية والسياسية لهذه القرارات
على الرغم من الطابع غير الملزم، إلا أن لهذه القرارات تأثيرات متعددة:
1. قيمة أدبية ومعنوية: إذ تعبّر عن الإرادة الجماعية للدول الأعضاء، وتكتسب قوة سياسية وأخلاقية كبيرة.
2. قيمة تفسيرية: إذ قد تُستخدم في تفسير أحكام القانون الدولي العرفي أو المساهمة في تكوينه، خاصة إذا صدرت بأغلبية كبيرة ومتكررة.
3. قيمة تأسيسية للعرف الدولي: في حالات معينة تصبح قرارات الجمعية العامة مرجعًا لبناء قواعد عرفية جديدة، مثل القرار رقم (2625) لعام 1970 بشأن مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية بين الدول، والذي أسهم في تقنين مبادئ أساسية كتحريم استخدام القوة وحق الشعوب في تقرير المصير.
الفارق بين قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن
• قرارات مجلس الأمن، بموجب الفصل السابع، ملزمة قانونًا على جميع الدول الأعضاء.
• أما قرارات الجمعية العامة فهي غير ملزمة، باستثناء بعض المسائل الإجرائية والتنظيمية الداخلية مثل اعتماد الميزانية أو قبول أعضاء جدد (حيث تحتاج توصية الجمعية العامة موافقة مجلس الأمن).
موقف القانون الدولي
القانون الدولي يؤكد أن عدم إلزامية قرارات الجمعية العامة لا ينفي قيمتها القانونية غير المباشرة، فهي تعكس التوجه العام للدول وقد تُستخدم كوسيلة لإثبات أو تطوير قواعد العرف الدولي. كما أنها تؤثر على تفسير أحكام الميثاق والاتفاقيات الدولية.
إذن، يمكن القول إن:
• قرارات الجمعية العامة استشارية في الأصل ولا تحمل صفة الإلزام القانوني.
• لكنها تمتلك قوة معنوية وسياسية كبيرة، وتُسهم في صياغة الاتجاهات العامة للقانون الدولي.
• في بعض الحالات الخاصة، تسهم هذه القرارات في تطوير قواعد عرفية دولية قد تصبح ملزمة مع مرور الوقت
التوصيات
- تعزيز الاعتراف بالقيمة القانونية لقرارات الجمعية العامة في إطار القانون الدولي العرفي، خاصة تلك التي تحظى بإجماع أو أغلبية ساحقة من الدول الأعضاء.
- تشجيع الدول الأعضاء على الالتزام الأدبي والسياسي بقرارات الجمعية العامة، بما يعكس احترام الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي.
- تطوير آليات ربط القرارات ذات الطابع الإنساني أو الحقوقي (مثل حق تقرير المصير أو منع التمييز العنصري) بمبادئ القانون الدولي الملزمة، لضمان فعاليتها.
- إجراء دراسات فقهية وقانونية مقارنة حول القرارات التي تحولت مع مرور الوقت إلى قواعد عرفية، مثل قرارات عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، لاستخلاص دروس للتطبيق مستقبلاً.
- تفعيل دور الجمعية العامة عبر آلية “الاتحاد من أجل السلم” كوسيلة للتأثير في القضايا التي يعجز مجلس الأمن عن معالجتها بسبب الخلافات السياسية بين أعضائه الدائمين.
- الاستفادة الأكاديمية والقضائية من قرارات الجمعية العامة كمصدر تفسيري عند عرض النزاعات أمام محكمة العدل الدولية أو المحاكم الإقليمية.