ساحة الرأي

من هم الدروز؟

بقلم : لواء / احمد زغلول مهران

المرجعية الدينية والمعتقدات الخاصة لدى الطائفة الدرزية

الطائفة الدرزية ليست طائفة تقليدية بالمعنى المتعارف عليه داخل الفرق الإسلامية، بل هي ديانة توحيدية خاصة، لها نظامها العقائدي المغلق، حيث لا تسمح باعتناقها لمن هم خارجها منذ القرن الحادي عشر، ما يجعلها أشبه بجماعة روحية وراثية.

جذورها المرتبطة بالأنبياء

يربط الدروز أنفسهم روحيًا بالنبي شعيب عليه السلام، الذي يُعتبر عندهم المعلم الأول والمرشد الروحي الأعلى، ويقدس مقامه الموجود في منطقة حطين شمال فلسطين المحتله ، والذي يُعد أهم المزارات الدينية لدى الطائفة.
كما يؤمنون بالنبي موسى عليه السلام ويعتبرون أن زواجه من صفورة ابنة شعيب هو اتصال روحي بين سلالتين نبويتين، ويحملونه دلالات رمزية على وحدة الرسالات التوحيدية.

ويُعرف عن الدروز أنهم يؤمنون بوحدة الأديان وجوهر التوحيد ، ويعتبرون أن الأنبياء جميعهم جاؤوا برسالة واحدة، وأن الاختلاف في الشكل لا في الجوهر.

المعتقدات والطقوس الدينية الخاصة بالدروز

• الكتب المقدسة تُرجع الطائفة عقيدتها إلى “رسائل الحكمة”، وهي نصوص فلسفية روحية سرّية، لا تُتداول إلا بين “العُقّال” وهم النخبة الدينية من أبناء الطائفة.
• السرّية الدينية يمنع الاطلاع على العقيدة لمن هم دون سن الأربعين أو من ليسوا ملتزمين بالتعاليم الأخلاقية الصارمة.
• العبادات لا يمارس الدروز الصلوات الخمس، ولا يصومون رمضان، بل يعتمدون على طقوس خاصة في “الخلوة”، وصوم أخلاقي دائم.
• التقمص يؤمنون بـ”تناسخ الأرواح”، أي أن الروح تنتقل من جسد إلى آخر، لتحقيق النقاء الروحي.
• الزواج والانتماء لا يسمح بالدخول في العقيدة من خارجها، والزواج محصور ضمن أبناء الطائفة فقط.
• الانقسام الداخلي:
• العقّال فئة النخبة الدينية، تلتزم باللباس التقليدي، وتعيش حياة زُهد.
• الجهال عامة الدروز الذين لا يطلعون على أسرار العقيدة.

الدروز في الوطن العربي عنصر استقرار محلي وإقليمي

تنتشر الطائفة الدرزية في أربع دول عربية رئيسية: سوريا، لبنان، الأردن، وفلسطين المحتله (إسرائيل)، ويُقدَّر عددهم بنحو 1.5 مليون نسمة.

في لبنان، برزت زعامات سياسية من الطائفة مثل كمال جنبلاط ووليد جنبلاط، ولعبت دوراً محورياً في صياغة مواقف وطنية حاسمة.
في سوريا، تركز الطائفة في محافظة السويداء، وشكلت عامل استقرار نسبي رغم تقلبات الحرب الأهلية.
في الأردن، يتمتع الدروز بتمثيل سياسي محدود.
أما في إسرائيل، فقد أصبحوا جزءاً من النسيج الأمني والسياسي للدولة.

خدمة الدولة وإدماج الدروز في إسرائيل

إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تُجند الدروز من العرب إلزامياً في الجيش، مما عزز إدماجهم في مؤسسات الدولة.

أبرز الشخصيات الدرزية في جيش الدفاع الاسرائيلى والأمن الإسرائيل:
اللواء غسان عليان
قائد لواء جولاني،ورئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية.
اللواء يوسف ميشليب منسق أعمال الحكومة في الأراضي الفلسطينية.
اللواء سلمان زرقا مدير مستشفى “زيف”، وقائد الاستجابة الصحية لجائحة كورونا.
اللواء فارس أبو العافية أحد أبرز القادة الدروز في الجيش الإسرائيلي، اضطلع بأدوار استراتيجية وأمنية متقدمة.
مجالي وهابي أول درزي يتولى منصب رئيس الدولة بالوكالة.
*حمد عمار
نائب بالكنيست، مدافع عن دمج الشباب الدرزي في مؤسسات الدولة.

هذا الانخراط في مؤسسات الدولة، جعل الطائفة الدرزية في إسرائيل حالة نادرة من الاندماج الكامل لعرب داخل المنظومة الأمنية والسياسية

دروز سوريا بين الحياد والانخراط المسلح

في محافظة السويداء السورية، شكّلت الطائفة الدرزية نموذجًا في ضبط النفس والابتعاد عن الحرب الطائفية، لكنها في الوقت ذاته شكلت ميليشيات محلية للدفاع الذاتي.

ومع تزايد الشعور بالتهميش، تصاعدت الأصوات المطالبة بالحكم الذاتي، ورفعت بعض المجموعات أعلام إسرائيل في مناسبات احتجاجية تعبيا ًعن رفض النظام السوري، لا عن ولاء سياسي.

وفي الجولان السوري المحتل، يظهر انقسام بين الأجيال حيث ان الجيل القديم متمسك بالهوية السورية، بينما الجيل الشاب يظهر ميولًا للاندماج في المجتمع الإسرائيلي.

قضية عزام عزام درزي في قلب معركة استخباراتية

في عام 1996، تم محاكمة الجاسوس عزام عزام، الدرزي الإسرائيلي، بتهمة التجسس لصالح الموساد. وبعد ضغط سياسي إسرائيلي مكثف، تم الإفراج عنه عام 2004 في صفقة تبادل.

وقد صرح عزام عقب خروجه

“أنا فخور بكوني إسرائيليًا، وسأخدمها في كل مكان.”

أصبح عزام رمزًا للولاء الدرزي لدولة إسرائيل، واستُقبل كبطل وطني

تصريحات القيادة الدرزية في إسرائيل رسائل انتماء واضحة
• اللواء غسان عليان: “الدروز لا يعيشون في إسرائيل، بل هم جزء أصيل منها.”
• حمد عمار: “خدمة الدولة ليست مفروضة، بل خيار وجودي.”

هذه التصريحات تعكس انتماءً مدنيًا حقيقيًا، وتبرر التقدّم اللافت للدروز في مؤسسات الدولة.

الولاء والانتماء لدى الطائفة الدرزه بين العقيدة والهوية الوطنية

يتسم الولاء لدى الطائفة الدرزية بطابع مزدوج يجمع بين الولاء العقائدي الداخلي المغلق والانتماء الوطني للمجتمعات التي تعيش فيها ويُعد هذا التوازن من أبرز سمات الطائفة في مختلف السياقات الجغرافية والسياسية.

على الصعيد العقائدي، يحتفظ الدروز بولاء مطلق لمنظومتهم الدينية الخاصة، التي تقوم على مبادئ التوحيد الفلسفي، والتقمص، والسرّية، والانضباط الأخلاقي الصارم. هذا الولاء الديني لا يُظهر نفسه في شعارات علنية أو نشاطات تبشيرية، بل في التزام داخلي عميق بقيم الطائفة وتعاليمها، وهو ما يجعل من الانتماء الديني لدى الدروز انتماءاً عابراً للحدود الجغرافية.

أما على المستوى الوطني، فيتميز الدروز بتاريخ طويل من الانخراط في النسيج الوطني للدول التي يعيشون فيها فهم في لبنان جزء من الكيان السياسي والطائفي، وفي سوريا يُعرفون بولائهم للدولة رغم مواقفهم المستقلة أحيانًا، وفي الأردن يندمجون بهدوء ضمن التركيبة الاجتماعية والسياسية، بينما في إسرائيل يُعتبرون حالة استثنائية من الولاء المؤسسي الكامل، لا سيما من خلال الخدمة العسكرية الإلزامية والانخراط في الأمن والسياسة.

الدرزي يرى في خدمة الدولة التي ينتمي إليها واجباً أخلاقياً لا يتعارض مع انتمائه العقائدي، ما دام ذلك لا يهدد استقلاله الروحي. لذلك، تنبع خصوصية الانتماء الدرزي من قدرتهم على الفصل بين العقيدة المغلقة والانتماء الوطني المفتوح، دون أن يؤدي هذا الفصل الى تناقض داخلى حيث ان الطائفة الدرزية تقدم نموذجاً فريداً في التوازن بين الهوية الروحيه .

من النبي شعيب وموسى وصفوه إلى اللواء عليان وعزام عزام تبقى قصة الدروز مليئة بالتحديات والتناقضات، لكنها لا تخلو من الدروس في المرونة التاريخية والمصالح السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى