حين يُتَنحّى الضمير وتُهمَّش الكفاءة ويُقصى الشرفاء

بقلم: اللواء أحمد زغلول مهران
رئيس الهيئة الاستشارية العليا لمركز “رع” للدراسات الاستراتيجية
رئيس مركز دعم الإبداع والابتكار والوعي المجتمعي
بين الواقع والمبدأ •• وطنٌ ينتظر صحوة ضمير
“رخصتي يا دنيا الغالي… وعليتي اللي ما يسواشي”
عبارة من تراثنا الشعبي تختزل مرارة واقع نعيشه حين تتحوّل القيم إلى شعارات ويعلو من لا يستحق ويُقصى من يملك الكفاءة والشرف .
وفي ظل هذا الواقع لا يمكن تجاهل حقيقة واضحة تؤكدها القيادة السياسية المصرية – وعلى رأسها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي – في كل مناسبة :
“لا مكان للمحسوبية ولا سبيل إلا بالكفاءة والنزاهة ولا بناء لوطن إلا على أكتاف من يستحق”
فإذا كانت التوجهات العليا واضحة ومُعلنة فأين يكمن الخلل؟
الخلل لا يكمن في الدولة ككيان بل في بعض الممارسات الإدارية والمجتمعية التي تُفرغ الشعارات من مضمونها وتعيق مسيرة الإصلاح والتقدم .
العدالة المختلّة ليست سياسة دولة •• بل انحراف أفراد
ما نراه أحياناً من صور المحاباة أو تهميش للكفاءات أو تصدّر وجوه لا تملك الدراية ولا الانتماء الحقيقي لهموم الناس لا يُمثّل نهجاً مؤسسياً للدولة بل سلوكيات فردية وانحرافات موضعية يجب أن تُواجَه بالحزم اللازم ورغم محدودية هذه النماذج إلا أن أثرها بالغ السلبية فهي تزرع شعوراً بالظلم في النفوس وتُنتج واقعاً مختلاً يعاكس إرادة الإصلاح .
الظاهرة الأخطر •• مناصب بلا مؤهلات وتمثيل لا يليق
أحد أبرز مظاهر الخلل الإداري والمجتمعي في بعض السياقات :
• تعيين غير المؤهلين في مواقع التأثير .
• تفضيل العلاقات الشخصية على حساب الكفاءة والخبرة .
• تصدّر من لا يمتلك رؤية وطنية أو إحساساً حقيقياً بالمسؤولية .
تساؤلات ملحة :
• كيف يُمثّل المواطن من لا يفهم لغته؟
• كيف يتحدث باسم الوطن من لا يُدرك قضاياه؟
• كيف نتقدم إن كانت مفاتيح القرار تُسلَّم لمن لا يُجيد حتى قراءة الواقع؟
المال السياسي •• خطر على نزاهة التمثيل العام
في بعض البرامج الحوارية طُرحت تصريحات مثيرة للقلق بشأن تأثير المال السياسي على العملية الانتخابية .
فقد نُسب إلى الدكتور حسام البدراوي – الأمين العام الأسبق للحزب الوطني – أن بعض مقاعد البرلمان وصلت قيمتها إلى نحو 70 مليون جنيه في إشارة إلى مخاطر تحوّل التمثيل النيابي إلى سلعة .
كما صرّح المستشار مرتضى منصور بأن قيمة بعض المقاعد داخل القوائم بلغت 50 مليون جنيه متسائلاً عن مصادر هذه الأموال وغاياتها .
ورغم أن هذه التصريحات لا تُعدّ اتهامات قانونية إلا أنها تمثل جرس إنذار مجتمعي يتطلب وقفة جادة لضمان ألا تتحول المؤسسات التشريعية إلى مشروعات نفوذ لا علاقة لها بخدمة الوطن .
تنازلات صغيرة صنعت واقعاً مقلوباً
هذا الواقع لم ينشأ فجأة بل كان نتيجة :
• الصمت على الفساد الصغير .
• المجاملة على حساب الكفاءة .
• تقديس القرابة والواسطة كطريق للنجاح .
• تبرير السلوكيات الملتوية باعتبارها ذكاءً اجتماعياً .
وهكذاتحوّل الخطأ إلى عادة والعادة إلى واقع والواقع إلى أزمة وطنية .
المجتمع شريك في الخطأ قبل أن يكون ضحية
علينا أن نواجه أنفسنا بصدق :
نحن من صفقنا لغير المستحق وسكتنا على صور زائفة رُوِّج لها على أنها إنجاز وتغاضينا عن تهميش الكفاءات .
إن القيادة تنادي بالكفاءة لكن الصوت لا يصل أحياناً بسبب خلل مجتمعي صنعناه نحن بالتراخي والتبرير والمجاملة .
أنواع التدليس القيمي في مؤسساتنا ومجتمعنا
١- التدليس الإداري :
مناصب تُمنح بالمحاباة لا بالكفاءة .
٢-التدليس التمثيلي :
رموز تُفرض دون أن يفرزهم الشارع أو يستحقوا تمثيله.
٣-التدليس الإعلامي :
تلميع السطحيين وتغييب الكفاءات .
٤-التدليس التربوي :
ترسيخ مفاهيم مغلوطة مثل أن الوصول أهم من الاستحقاق .
بيع الضمير لا يحدث دفعة واحدة •• بل بالتدريج
الضمير لا يُباع فجأة بل يُستنزف حين نقبل الغش ونُجامل في التقييم ونسكت عن الظلم ونُقصي الأفضل لأنه بلا واسطة .
ومع الوقت يخفت النقاء ويعلو صوت الانتهازية ويتحول الاستثناء الشريف إلى حالة نادرة .
رغم كل شيء •• الأمل لا يزال حياً
لا يزال الأمل قائماً ما دام في هذا الوطن :
• معلم يُعلّم أبناءه الصدق لا المراوغة .
• موظف يُؤدي واجبه بإخلاص رغم الضغوط .
• مسؤول يقدّم الأكفأ لا الأقرب .
• مواطن يرفض بيع صوته ووعيه .
طالما هذه النماذج موجودة فالأمل لا يموت
القيادة السياسية المصرية ترفض المحاباة
كل ما يحدث من تهميش للكفاءات أو تغليب المصالح الضيقة لا يُمثّل الدولة بل يمثّل فاعليه فقط .
وقد أكّدت القيادة السياسية مراراً أن :
“لا مكان إلا للأكفأ ولا مستقبل إلا للشرفاء”.
ومن يُخالف هذا التوجّه يجب أن يُحاسب لأن ثمن التهاون يُدفع من مستقبل الوطن .
خارطة طريق لاستعادة القيم
١-إصلاح منظومة اختيار القيادات والممثلين :
• اعتماد معايير شفافة وواضحة .
• إنهاء ثقافة التزكية الاجتماعية .
٢-تمكين الكفاءات دون اعتبار للعلاقات :
• المعيار الوحيد هو القدرة لا القرابة .
٣-إصلاح المنظومة الإعلامية والثقافية :
• وقف تلميع غير المستحقين .
• دعم الأصوات التي تبني وعيًا حقيقياً .
٤-رقابة مجتمعية مسؤولة :
• فضح المزور لا التصفيق له .
• حماية الشريف لا تهميشه .
رسالة إلى كل مسؤول ومواطن
إلى المسؤول :
• لا تفرّط في الثقة التي مُنحت لك .
• لا تجعل المنصب أداة للولاء بل وسيلة لخدمة الوطن .
فالتاريخ لا ينسى والوطن لا يغفر للخائنين
إلى المواطن :
• لا تسكت على الخطأ ولا تُبرره .
• لا تمنح صوتك لمن لا يعرف معنى الأمانة .
• كن شريكاً في صناعة الوعي لا في تزوير الواقع .
فى النهايه •• هذا وطن لا يبنيه إلا ضميرٌ صاحى ولا يُصان إلا بكفاءةٍ مُخلصة لقد عانى الوطن كثيراً من عثرات ليست قدراً بل كانت نتيجة خيارات خاطئة وسكوت قاتل وتنازلات متراكمة عن المبادئ لكن مصر بتاريخها ومكانتها وإنسانيتها لا تركع ولا تقبل أن يُدار مستقبلها بالمحاباة أو تُختطف إرادتها من عديمي الكفاءة أو تُختصر عقولها في أصحاب المصالح إنها ساعة الحقيقة حيث لم يعد الصمت خياراً ولا المجاملة مبرراً ولا التبرير وسيلة للهروب من المسؤولية .
وقد جاء توجيه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي واضحاً وحاسماً حين كلف الدولة بكل مؤسساتها والمجتمع بكل أطيافه بإعادة بناء الوعى الجمعى والضمير الوطني لا باعتباره عملاً موسمياً أو خطاباً إعلامياً بل باعتباره مسؤولية وطنية شاملة تتطلب مراجعة دقيقة قانونية واجتماعية وثقافية تبدأ من الأسرة ولا تنتهي عند دوائر اتخاذ القرار فبناء الضمير ليس ترفاً بل أساس بقاء الدولة واستقرارها وهو ما أكدت عليه القيادة السياسية متمثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسي مراراً باعتبار الإنسان هو محور التنمية والعقل هو أول سلاح لبناء المستقبل.
وقد وجّه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي – قائد مسيرة البناء والوعي – في أكثر من مناسبة وطنية واستراتيجية دعوته الصادقة للمصريين جميعاً – مسؤولين ومواطنين – بأن يبدأ كلٌ منا ببناء ذاته قبل أن يطلب تغيير الواقع وأن يُصلح داخله قبل أن يُطالب بإصلاح الخارج مؤكداً أن نهضة الأوطان لا تُستورد بل تُصنع من داخل الفرد ومن داخل البيت ومن داخل كل مؤسسة وموقع وقد حمّل الرئيس الجميع مسؤولية تشكيل وعي وضمير جديدين لمصر الجديدة – جمهورية الإنسان والعدالة – داعياً لأن نتحرك جميعاً لا بالأمنيات بل بالقرارات والمواقف نحو بناء مجتمع يقوم على الانضباط والاحترام وطن يحميه الوعي ويقوده الإخلاص وتنهض به الكفاءة فبناء الذات هو البداية الحقيقية لبناء الأوطان ووعي المواطن هو الدرع الواقى لكل مكاسب الوطن ومن هنا تنطلق الجمهورية الجديدة على أسس من الصدق والمكاشفة والعمل الجاد تحت راية قائد آمن بالشعب ويُراهن على ضميره الحيّ وإرادته التي لا تنكسر.
نحن بحاجة إلى :
• استدعاء الضمير في كل موقع مسؤولية ( أنا لا أُعمم – فى وطننا اصحاب صمائر كُثر )
• وعي حقيقي في كل بيت
• قيمة واضحة تُعلَّم في كل مدرسة
• عدالة نزيهة تُطبَّق في كل مؤسسة
نحن بحاجة إلى أن نُعيد تعريف النجاح لا على أنه من يسبق بل من يستحق وأن نُعلّم أبناءنا أن الطريق إلى القمة لا يمر عبر الواسطة بل عبر الإرادة والجدّ والاجتهاد وأن نقول لأبنائنا في كل مكان :
انهض بالكفاءة ولا تبحث عن طريق مختصر بل ابنِى طريقاً نظيفاًً حتى لو طال .
نقول لكل مسؤول
ليس المنصب ملكك بل أمانة مؤقتة بين يديك ستحاسَب عليها أمام الله ثم أمام الوطن ثم أمام التاريخ فاختَار ممن حولك الأكفأ لا الأقرب واجعل مكتبك نافذةً للحق لا جداراً يحجب الحقيقة .
لكل مواطن
صوتك أمانة وقرارك مسؤولية وضميرك هو خط الدفاع الأول عن الوطن لا تسكت عن باطل ولا تُطَبّع مع الخطأ ولا تمنح جُهدك لمن لا يستحقه شارك في بناء وطنك وجمهوريتنا الجديدة بالوعي قبل الصوت وبالعمل قبل الشكوى وبالموقف قبل الكلام .
لكل الشباب
أنتم الأمل أنتم جيلاً لم يُلوّثه ماضٍى ولم يُكبّله صمت فكونوا حُرّاساً للقيم لا شهوداً على سقوطها أنتم ذخيرة هذا الوطن المُفدى وقيادتنا الحكيمة تحتاجكم لتكونوا فى الصدارة داعمين لها وواقفين بجوارها لتكونوا فى صدارة الأمم كما كنتم فى السابقًأنتم أحفاد أعظم حضارة ارفعوا شعار :
“لن يمر إلا المستحق، ولن يقود إلا من يستحق”
لكل إعلامى
كُن منارة وعي لا أداة تزييف كن صوتاً لمن لا صوت له لا صدى لأصحاب النفوذ فالإعلام ليس ترفاً بل سلاح إما أن تبني به وطناً أو تهدم به وعي أمة .
لكل معلم
علّم أولادنا أن الضمير ليس رفاهية بل سلوك يومي علّمهم أن الغش ليس شطارة وأن النجاح لا يُقاس بالنتيجة فقط بل بالطريق الذي سلكناه للوصول .
لكل قاضي
اجعل ميزان العدالة لا يميل إلا للحق فالوطن العادل لا يُهزم ولو يُفقر .
لكل موظف
أدِّى عملك كأنك تبنيه لأهلك لا لروتين ولا لراتب ولا لشخص إن الله مُطلع وشاهد على النوايا .
أيها الوطن المفدى
نعدك بأننا سنبنيك طوبة صدق وأمانة، طوبة ولاء وانتماء، طوبة جد واجتهاد، طوبة تلاحم وارتباط يجب ان نلفظ كل فاسد أو ناقم أو حاقد وان نقف بجوار الكفاءات وأن نصون وعيك .
الضمير هو الحارس الأول للوطن
فإن غاب الضمير •• غابت العدالة
وإن غابت العدالة •• ضاع الانتماء
وإذا ضاع الانتماء •• انهار كل بناء
لكننا نؤمن ونُجدد العهد أننا باقون على المبدأ متمسكون بالكفاءة منحازون للشرفاء راغبون في وطن لا يُدار بالمصالح بل يُقاد بالضمائر فلنُطلق صحوة الضمير من البيت إلى المدرسة إلى الشارع إلى مقرات العمل ثم إلى دوائر القرار ولتكن هذه الصحوة بداية جديدة لا مرحلة عابرة
ولنعلم جميعاً أن :
الأوطان تُبنى بسواعد المخلصين لكن تُحمى فقط بضمائر اليقظين مصر الحضارة والقيم والتاريخ والجغرافيا الفريدة لا ترضى أنصاف الحلول ولا أنصاف القيم ولا أنصاف الرجال فإما أن نكون على قدر المسؤولية أو لا نكون .