مجلس الأمن يدين الهجوم الإسرائيلي على قطر.. صدمة دولية وتحوّلات في المواقف

بقلم: اللواء/ أحمد زغلول مهران
رئيس مركز الإبداع والابتكار والوعي المجتمعي
في تطوّر غير مسبوق، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة في الحادى عشر من سبتمبر 2025 بناءً على طلب تقدمت به باكستان وعدد من الدول العربية والإسلامية، وذلك على خلفية الهجوم الجوي الذي شنّته إسرائيل على العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفة مجمعاً سكنياً كان يضم وفداً من حركة حماس في إطار مفاوضات تجري بوساطة دولية، بينها الولايات المتحدة.
الهجوم، الذي أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، بينهم شخصيات قيادية من الحركة ومواطن قطري، أحدث صدمة دولية وأثار ردود فعل واسعة، ليس فقط لكونه اعتداءً سافراً على سيادة دولة ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة، بل لأنه جاء في وقت حساس يشهد مساعي دولية مكثفة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة والإفراج عن رهائن.
قطر •• السيادة ليست مشاعاً
خلال الجلسة، أكدت دولة قطر عبر مندوبها الدائم أن ما تعرّضت له أراضيها هو عدوان ممنهج وخرق فاضح للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وأشارت إلى أن استهداف وفد سياسي يجري مفاوضات رسمية على أراضيها يُعد محاولة مباشرة لإفشال جهود التهدئة، ويشكل سابقة خطيرة في الأعراف الدبلوماسية.
قطر طالبت مجلس الأمن بتحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، ودعت إلى فتح تحقيق دولي مستقل تحت مظلة الأمم المتحدة، محذرة من أن استمرار الصمت الدولي سيشجع على مزيد من الانتهاكات المماثلة.
المواقف الإقليمية والدولية •• إدانات واسعة وتحذيرات من التصعيد
توالت المواقف الدولية المندّدة، حيث أجمعت غالبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن على إدانة الهجوم، واعتبرته تجاوزاً خطيراً يستدعي وقفة حازمة.
الدول العربية والإسلامية، بما فيها الجزائر، عمان، الكويت، السعودية، مصر، وتركيا، عبّرت عن رفضها المطلق للاعتداء، مؤكدة أن الصمت عن هذه الأفعال يهدد بتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة.
باكستان، التي بادرت بالدعوة إلى الجلسة، وصفت الهجوم بأنه عدوان مكشوف ضد سيادة دولة شقيقة,وطالبت بتحقيق فوري ومحاسبة المسؤولين.
الاتحاد الأوروبي أعرب عن قلق بالغ من الحادث، داعياً إلى احترام سيادة الدول وحماية المفاوضين السياسيين، في حين شددت ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا على ضرورة استئناف المفاوضات وتفادي التصعيد.
روسيا أدانت الهجوم بأشد العبارات، معتبرة أنه يمثل خرقاً فجّاً لميثاق الأمم المتحدة ، وحذرت من أن تكرار مثل هذه العمليات قد يشعل مواجهة إقليمية واسعة.
أما الولايات المتحدة، فاعتمدت موقفاً متحفظاً، إذ نفت مشاركتها في الهجوم أو علمها المسبق به، واعتبرت أن “الضربة لا تخدم جهود التهدئة”، لكنها في الوقت ذاته لم تُصدر إدانة مباشرة لإسرائيل، مكتفية بالتحذير من تقويض مسار الوساطة الجارى ،ومع ذلك، وافقت واشنطن لاحقاً على بيان مجلس الأمن الذي أدان الضربة ضمناً دون تسميتها.
البيان الختامي لمجلس الأمن: موقف مبدئي وتحفّظ دبلوماسي
بعد مناقشات مطولة، تبنّى مجلس الأمن بياناً ختامياً يُدين الهجمات التي تعرضت لها دولة قطر ،ويؤكد ضرورة احترام سيادة الدول الأعضاء وعدم استخدام أراضيها كساحة لتصفية حسابات سياسية أو عسكرية.
ورغم أن البيان لم يُسمِّى إسرائيل صراحة، إلا أن الصياغة جاءت لتُحمّل ضمنياً الطرف المنفذ للمسؤولية، في خطوة وُصفت بأنها “نقطة تحوّل” في لهجة المجلس تجاه بعض الممارسات الإسرائيلية خارج حدود الأراضي المحتلة.
البيان دعا كذلك إلى التهدئة وضبط النفس، وشدد على أهمية حماية المسارات السياسية وعدم استهداف المفاوضين أو الوسطاء، وأكد التزام المجتمع الدولي بمبدأ الحل السلمي كخيار وحيد.
الجامعة العربية تتحرّك •• اجتماع طارئ مرتقب
وفي سياق متابعة تداعيات هذا الحادث الخطير، دعت دولة قطر رسمياً إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، لمناقشة الاعتداء الإسرائيلي والإجراءات العربية الواجب اتخاذها في مواجهته.
من المتوقع أن يُعقد الاجتماع يوم الاحد ١٤ سبتمبر ٢٠٢٥ ، بمشاركة وزراء الخارجية العرب، وسط مطالبات بتشكيل لجنة متابعة وتنسيق دبلوماسي، وتكليف الأمانة العامة بإعداد ملف قانوني لرفعه إلى المحكمة الجنائية الدولية ومن المخطط انعقاد اجتماع طارئ للدول العربيه والاسلاميه يوم الاثنين الموافق ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥ بالدوحه .
كما أُعلن عن نية منظمة التعاون الإسلامي عقد اجتماع تشاوري عاجل لبحث الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة وتوحيد الموقف الإسلامي تجاه ما يُعتبر تجاوزاً خطيراً لكل الخطوط الحمراء.
اجتماعات دولية متوقعة
وفق مصادر دبلوماسية، من المرتقب أيضاً أن تشهد الأمم المتحدة خلال الأسبوعين القادمين عدة اجتماعات مغلقة ولجان تحقيقية في إطار متابعة هذا الهجوم، إضافة إلى تحرّك مرتقب داخل الجمعية العامة لعرض مشروع قرار يُعزّز الحماية القانونية للدول المستضيفة للوساطات السياسية، ويمنع استهدافها تحت أي ذريعة.
التوصيات النهائية
استنادًا إلى وقائع الجلسة الطارئة وردود الفعل الإقليمية والدولية، يمكن استخلاص التوصيات التالية:
- تفعيل المساءلة الدولية:
يجب الدفع باتجاه تحقيق دولي نزيه ومستقل في الهجوم، ومحاسبة الجهات التي أمرت ونفذت الضربة وفقًا للقانون الدولي.
- تحصين مسارات التفاوض:
لابد من فرض حماية سياسية وقانونية للمفاوضين والمبعوثين، وتأكيد عدم جواز استهدافهم تحت أي ذريعة.
- توحيد الموقف العربي والإسلامي:
ضرورة بلورة موقف موحد داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لمواجهة التصعيد الإسرائيلي وردع أي انتهاكات مستقبلية.
- تعزيز الدبلوماسية الوقائية:
مطالبة مجلس الأمن والجمعية العامة بوضع آليات واضحة لمنع تكرار حوادث مشابهة في الدول التي تستضيف وساطات سياسية.
- تحذير من انفجار إقليمي:
على المجتمع الدولي التحرك بسرعة للحيلولة دون انزلاق المنطقة نحو مزيد من التصعيد الذي قد يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
إن ما جرى في الدوحة ليس مجرد حادثة معزولة، بل هو مؤشر على تصاعد خطير في تجاوز قواعد القانون الدولي، ومحاولة لترهيب الأطراف الساعية إلى إيجاد حلول سلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإذا لم تتحرك الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بحزم وفاعلية، فإن رسائل هذه الاعتداءات ستكون واضحة
لا مكان للتفاوض ولا حماية للمفاوضين.
مع فتح هذه الصفحة الجديدة في تاريخ المواجهة بين القانون الدولي والانتهاكات العسكرية، يبقى الأمل معقوداً على أن تتحول هذه الإدانات والبيانات إلى خطوات عملية تردع العدوان، وتُعيد الاعتبار إلى مبادئ السياده واحترام الوساطات الدوليه .