تهديدات نتنياهو ضد قطر.. عبث سياسي أم محاولة لتفجير النظام الإقليمي؟

بقلم: اللواء/ أحمد زغلول مهران
في تطور خطير وغير مسبوق في الخطاب السياسي الإسرائيلي، خرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخراً بتصريحات عدائية تهدد دولة قطر صراحة، بزعم استضافتها قيادات من حركة حماس، محذراً الدول التي تستضيف قيادات فلسطينية بأنها قد تتعرض لما سماه مصير قطر .
هذه التصريحات، التي تفتقر إلى الحد الأدنى من المسؤولية السياسية والدبلوماسية، تستوجب وقفة صارمة من كافة الأطراف العربية والدولية فليس من المقبول أن يُلوّح بالتهديد العسكري في وجه دول ذات سيادة، خصوصاً تلك التي تلعب أدواراً حاسمة في الوساطات السياسية، وفي مقدمتها دولة قطر.
أولاً: تهديد للسيادة ومبادئ القانون الدولي
إن تهديد دولة قطر – وهي دولة عضو في الأمم المتحدة، وتتمتع بكامل حقوق السيادة – يُعدّ انتهاكاً صريحاً لميثاق الأمم المتحدة، ولجميع القواعد التي تحكم العلاقات الدولية فالحديث عن ضرب أو معاقبة دولة لمجرد استضافتها طرفاً سياسياً – حتى وإن كان محل خلاف – يتنافى مع مبدأ احترام السيادة، ويفتح الباب على مصراعيه لفوضى دولية تقود إلى انهيار منظومة القانون الدولي.
ثانياً: تهديد مباشر لدور الوساطة
من المعروف أن قطر تستضيف المكتب السياسي لحركة حماس منذ سنوات، وذلك بناء على تفاهمات دولية وإقليمية، وبرضا ضمني من أطراف عديدة، منها إسرائيل نفسها، والولايات المتحدة واستضافة القيادات السياسية في إطار وساطة دبلوماسية لا يُعدّ دعماً سياسياً ، بل هو دور مطلوب ومطلوب مضاعفته في ظل الأزمات المتفاقمة.
تهديد إسرائيل لقطر لا يستهدف الدوحة فحسب، بل يضرب مصداقية أي جهود وساطة مستقبلية، ويقوّض فرص التهدئة.
ثالثاً: التداعيات الإقليمية والدولية
- الرد القطري
جاء الرد القطري واضحاً وحازماً، إذ رفضت الدوحة التهديدات الإسرائيلية، وأكدت أن دورها الوسيط هو جزء من جهد دولي لحل النزاع، وأن استضافة وفود من حماس تمت وفق أطر معلنة وبدعم من عدة أطراف فاعلة، وليس في الخفاء.
- الرد العربي
دول الخليج والدول العربية باتت تدرك أن هذه التصريحات ليست موجهة ضد قطر فحسب، بل ضد الإراده السياسية العربية التي بدأت تعيد تنظيم أولوياتها في ضوء العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني.
- الرد الدولي والأمريكي
المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يتحمّل مسؤولية كبرى في وقف هذا التهور السياسي إذ أن الاستمرار في دعم إسرائيل دون محاسبة على مثل هذه التهديدات، يضعف من قدرة القانون الدولي على الحفاظ على الأمن والاستقرار والولايات المتحدة مطالبة الآن باتخاذ موقف واضح تجاه احترام السيادة القطرية، خصوصاً وأنها شريك استراتيجي للدوحة.
- موقف مصر
إن مصر دولة لها خبرة طويلة في الوساطة، وترتبط باتفاقية سلام مع إسرائيل، فإن مثل هذه التصريحات تُمثل تهديداً مباشراً لدور الوساطة الذي تلعبه القاهرة أيضاً فمنطق التخوين والتهديد يمكن أن يطال أي دولة، مما يخلق مناخاً عدائياً يُنذر بإفشال أية جهود سياسية لحل النزاعات.
رابعاً: توصيات واستراتيجيات مستقبلية
- موقف عربي موحّد
ينبغي للدول العربية، عبر جامعة الدول العربية، إصدار بيان موحّد يدين التهديدات الإسرائيلية، ويؤكد على رفض منطق الابتزاز السياسي والعسكري.
- تصعيد دبلوماسي وقانوني
الدوح ومعها الدول الداعمة للوساطة، يجب أن تلجأ إلى المحافل الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، لمواجهة هذه التهديدات قانونياً.
- حماية الدور القطري والمصري في الوساطة
يجب الحفاظ على الحيز السياسي المتاح أمام الدول التي تؤدي أدوار الوساطة فالضغط عليها أو تهديدها يقوّض فرص التهدئة، ويُطيل أمد النزاع.
- موقف أمريكي وأوروبي متزن
المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، مطالب باتخاذ موقف متزن يحمي الحلفاء ولا يُشجع على سياسات متهورة قد تُشعل صراعاً إقليمياً جديداً.
ما صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي يُمثل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية. وإن لم يتم التصدي لها بحزم، فإنها ستفتح الباب أمام موجة جديدة من السياسات العدوانية تجاه الدول العربية، خاصة تلك التي تسعى للعب دور إيجابي في تهدئة النزاعات على العرب، والمجتمع الدولي برمته، أن يدركوا أن احترام السيادة الوطنية ليس خياراً، بل هو شرط لبقاء النظام الدولي قائماً.
وإننا إذ نُدين هذه التصريحات غير المسؤولة، ونؤكد دعمنا الكامل لدولة قطر، قيادة وشعباً، ونُشيد بدورها المتوازن في المنطقة، وندعو إلى وقفة موحّدة في وجه هذا الانفلات السياسي غير المقبول.