خمسة قرارات مثيرة للجدل في حياة مصر.. وتجربة ناجحة تستحق الإشادة

بقلم: اللواء/ أحمد زغلول مهران
عضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية
رئيس مركز دعم الإبداع والابتكار والوعي المجتمعي

القرار السياسي أو الاقتصادي هو لحظة فاصلة في تاريخ أي دولة فهو إما أن يتحول إلى قاطرة للتنمية أو عبئٍ ثقيل تدفع ثمنه الأجيال.

شهدت مصر خلال العقود الستة الماضية عدداً من القرارات الكبرى التي أثارت الجدل وكان بعضها ناتجاً عن طموحات مشروعة لكنها افتقرت إلى الدراسة والشفافية والواقعية.

ورغم تكرار الأخطاء في بعض الحقب شهدت مصر ايضاً تجارب ناجحة حديثة تستحق أن تُوثق وتُدرس باعتبارها نموذجاً لما يمكن أن يكون عليه القرار الرشيد .

في هذا المقال التحليلي نسلّط الضوء على خمسة قرارات مثيرة للجدل ما بين 1960 و2010 ونختم بتجربة حكومية ناجحة وملهمة في العصر الحالي .

١- تأميم الاقتصاد (1961)

التحوّل إلى الاشتراكيه •• بثمن الكفاءة والمرونة

جاء القرار ضمن برنامج الرئيس جمال عبد الناصر للتحول إلى النظام الاشتراكي القائم على الملكية العامة .

السلبيات:
• طرد رأس المال الوطني والأجنبي .
• ضعف الإدارة الحكومية في تشغيل المصانع والمؤسسات .
• بيروقراطية قاتلة أعاقت التنمية .

النتائج:
تراجع الإنتاج الصناعي والزراعي وانكمشت الكفاءة تم لاحقاً تقليص سياسات التأميم في عهد السادات .

٢- التدخل العسكري في اليمن (1962–1967)

نزيف الجغرافيا وصدمة الجبهة الداخلية حيث قررت الدولة إرسال قوات عسكرية كبيرة لدعم الثورة اليمنية.

السلبيات:
• استنزاف مالي وعسكري ضخم .
• إنهاك الجيش قبل حرب 1967 .
• انكشاف حدود مصر الاستراتيجية .

النتائج:
تركت الحرب أثراً عميقاً في الاقتصاد الوطني وساهمت في الهزيمة العسكرية والسياسية في نكسة 1967 .

٣- الانفتاح الاقتصادي غير المنضبط (1974–1981)

الانفجار الاستهلاكي الذي أغرق الإنتاج حيث قرر الرئيس السادات فتح السوق المصري للاستثمار والتجارة الخارجية .

السلبيات:

• غياب القوانين المنظمة للسوق الحر .
• دعم ثقافة الاستهلاك لا الإنتاج .
• غياب العدالة في توزيع العوائد .

النتائج:

ظهرت طبقة طفيلية وفُقد التوازن الاجتماعي مما أدى إلى انتفاضة 1977 وخلق فجوة بين الطبقات .

٤- مشروع توشكى (1997)

الوهم الأخضر في صحراء الجنوب حيث تم الترويج له كمشروع قومي لاستصلاح أراضٍ جديدة جنوب الصعيد.

السلبيات:
• ضعف دراسات الجدوى المائية والمناخية .
• فشل جزئي في جذب المستثمرين الحقيقيين .
• توقف التنفيذ لفترات طويلة .

النتائج:
تم إنفاق مليارات دون عائد مناسب أعيد تشغيل المشروع لاحقًا لكن بثقة مهزوزة وبتعديلات كبيرة .

٥- خصخصة القطاع العام (1991–2005)

من إصلاح السوق إلى تصفية الأصول حيث جاء القرار في إطار التعاون مع صندوق النقد الدولى عبر بيع شركات القطاع العام لتقليص دور الدولة الاقتصادي.

إقرأ أيضاً:

السلبيات:
• تقييم غير عادل لكثير من الشركات .
• غياب الشفافية والمساءلة في عمليات البيع .
• تشريد آلاف العمال دون ضمانات .

النتائج:
خسرت الدولة أصولاً استراتيجية وتفاقم الغضب الشعبي ولم تُستخدم عوائد البيع في مشاريع تنموية حقيقية .

تجربة ناجحة من العصر الحديث •• مشروع “حياة كريمة”

“القرار الذي أعاد تعريف العدالة الاجتماعية في الريف المصري حيث أُطلق المشروع عام 2019 بهدف تطوير البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية في الريف المصري الذي يضم أكثر من 55% من السكان.

نقاط القوة:
• تخطيط مرحلي وتنفيذي وفق أولويات المناطق .
• مشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص .
• تمويل متعدد المصادر مع إشراف رئاسي مباشر .

النتائج:
• تحسين حياة أكثر من 60 مليون مواطن .
• تطوير آلاف المدارس والمراكز الصحية .
• خلق فرص عمل محلية .

لماذا يُعد قراراً ناجحاً؟
لأنه جمع بين العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة مع إدارة تنفيذية منضبطة ومؤشرات أداء قابلة للقياس وهو نموذج لما يجب أن تكون عليه القرارات القومية مدروسة وشاملة ومتفاعلة مع الواقع المجتمعي .

التوصيات وكيف نصنع قرارات أكثر وعياً واستدامة؟

١- اعتماد الدراسات متعددة التخصصات قبل اتخاذ القرارات الكبرى .
٢- تعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة أمام البرلمان والمجتمع .
٣- وضع آليات تقييم مرحلية لكل مشروع أو سياسة عامة .
٤- تفعيل مراكز الفكر الوطنية لتقديم الرأي العلمي المحايد .
٥- تعظيم المشاركة الشعبية في الرقابة والتنفيذ .

القرار الرشيد •• مسؤولية وطن لا توقيع فرد

إن قراءة التاريخ الاقتصادي والسياسي لمصر بعيون تحليلية لا عاطفية كفيلة بأن تضعنا أمام حقائق صادمة أحيانًا، لكنها ضرورية فالدول التي لا تراجع مسارها تكرّر أخطاءها ولا يمكن بناء جمهورية جديدة دون تقييم موضوعي للجمهوريات السابقة .

لقد أثبتت التجربة أن القرار المدروس قد يغيّر حياة ملايين بينما القرار المرتجل قد يهدر ثروات أمة