“فنجان قهوة وحكاية مدينة” لخليل العسلي.. سيرة المقاهي في القدس

كتب: وكالات
يقدم الباحث الفلسطيني خليل العسلي في كتابه “فنجان قهوة وحكاية مدينة”، جولة جمالية وأدبية وتاريخية ترتبط بحضور القهوة التي تعدّ من أشهر أنواع المشروب الساخن في العالم، والتي ارتبطت بها العديد من الممارسات الثقافية ماضيًا وحاضرًا.
ولا يمثل هذا الكتاب الصادر عن دار باب العامود للنشر والتوزيع، دراسة علمية أو بحثًا أكاديميًّا أو كتابًا تاريخيًّا موسوعيًّا بقدر ما هو توثيق شفوي لسيرة المقاهي والقهوة ومدينة القدس، وإن كان يعتمد في بعض الأحيان على المراجع التاريخية وعلى ذكريات من عاشوا في المقاهي وكانت المقاهي جزءًا أساسيًا في حياتهم، أو ممن تناقلوا حكايات المقهى أبًا عن جد.
ويحاول العسلي في كتابه هذا إعادة الحياة للمدينة وتاريخها، ذاهبًا إلى أن “موت المقهى هو فعلًا موت للمدينة، فقد ماتت أحياء البلدة القديمة لحظة تلاشي المقاهي فيها، ولهذا فإن المدينة بدون المقهى هي مدينة بدون روح أو نبض”.
يتضمن الكتاب مقدّمة وخمسة عشر موضوعًا تتحدث جميعها عن المقاهي وتاريخها وأنواعها وطقوسها وأسماء الشهيرة منها والحكايا المرتبطة بها، وخاصة مقاهي القدس التي مثلت مركز الحياة بالنسبة للمدينة، ويحاول الكاتب رصدَ دور المقاهي هناك مع بداية الحكم العثماني، إذ وصلت إلى القدس عائلات من بلاد الشام، وكانت المدينة مزدهرة عمرانيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، كما كانت مركز جذب للحرفيين والصناعيين والعلماء والفقهاء الذين توافدوا من بقاع الدولة العثمانية.
ووفقًا للعسلي، تَمثّلَ الدور الإيجابي لمقاهي القدس في إسهامها على الإبقاء على الذاكرة الجمعية للمدينة وبخاصة في المراحل الأولى من الحكم العثماني، لكن الاحتلال الإسرائيلي دمر دور المقاهي وأجبر مرتاديها على هجرانها ماسحًا بذلك هويتها الثقافية؛ مما زعزع استقرار المجتمع المحلي المحافظ، لتعود المقاهي في السنوات الأخيرة بحلة عصرية مختلفة وبدور وظيفي يتماشى وطبيعة المقاهي في العالم، وهذا التغيير قاده الشباب الباحث عن نقطة هدوء في حياة القدس المتوترة.
ويعاين الكاتب أنماط النظرة الاجتماعية تجاه المقاهي عبر التاريخ، في فترة سابقة كانت المقاهي تعد مكانًا للاستراحة والتسلية، وفي فترى أخرى نُظر إليها كمكان للفتن والمؤامرات، قبل أن تتخذ في الآونة الأخيرة وظيفة اجتماعية بحتة.
ويوضح العسلي أن علماء الاجتماع اعتبروا أن المقاهي “مرآة المجتمع ونبض الشارع”، فمن أراد معرفة المدينة فعليه أن يذهب إلى المقاهي فيها، مضيفًا أن المقهى جزء لا يتجزأ من هوية المدينة، ويستشهد هنا بما قاله الروائي الراحل نجيب محفوظ عن المقاهي: “الحياة هنا.. ومن هنا يبدأ التاريخ”، وكذلك بما وصفها به الشاعر الراحل نزار قباني وغيره من الشعراء.
وينقل المؤلف عن “جيرار جورج لومير” في كتابه عن مقاهي الشرق، أن حركة النهضة الأوروبية ترجع إلى بداية إقبال الأوروبيين على شرب القهوة في أواسط القرن السادس عشر، كما يتناول النقاش الذي دار حول الحكم الفقهي في شرب القهوة، والذي استمر بين الفقهاء زمنًا قبل أن يقر الفقهاء بجواز شربها.
ويكشف العسلي أن المقاهي التقليدية التي عُرفت في المدينة المقدسة اختفت أو باتت معدودة على الأصابع، واختفى معها الدور المحوري الذي لعبته المقاهي في حياة المقدسيين وسكان الأحياء بالمدينة العتيقة، موضحًا أن ضياع دور المقاهي في ثقافة المدينة يتزامن مع فقدان القدس لدورها باعتبارها مدينة جامعة، بسبب سياسات الاحتلال التي عملت على عزل القدس عن محيطها العربي وعمقها الاستراتيجي في القرى والمدن الفلسطينية القريبة وحتى البعيدة من خلال بناء الجدار الفاصل، ثم عملت على تفتيت المدينة محولةً إياها إلى أحياء مشتتة معزولة عن بعضها بعضًا بلا مركز لها كما كان في السابق.
يتضمن الكتاب أيضًا العديد من الصور الأرشيفية التي تؤكد حضور القهوة ودورها في الحراك الإنساني داخل مدينة القدس، ومن تلك الصور مثلًا صورة لمقهى قديم حمل اسم “الباسطي”، وصورة لمقهى في القدس يُظهر تجمعًا للناس فيه، وصورة لمقهى “صيام”، وصورة لفتى المقهى الذي كان يتميز بلباسه التقليدي وطربوشه الأحمر، وصورة لشيخ فقيه يشرب القهوة، وصورة لمقهى فلسطيني تعود إلى عام 1920.