موسوعة “المشروع الصهيوني.. التاريخ، الاحتلال، المواجهة” | الباب الثالث: إسرائيل كدولة عنصرية.. السياسات، القوانين والتمييز

بقلم: اللواء / أحمد زغلول مهران
عضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية
نائب رئيس حزب المؤتمر – رئيس الهيئة العليا للحزب
الفصل الأول: التأسيس الأيديولوجي للعنصرية في الفكر الصهيوني
1-1: الخلفية الدينية والتوراتية للتمييز
يستند المشروع الصهيوني إلى تأويلات دينية متطرفة تتبنى فكرة شعب الله المختار ، وتقوم على رؤية استعلائية تُقصي الآخر وتنظر إليه باعتباره غريبا ًأو دخيلاً أو حتى خطراً وجوديّاً وقد تحولت هذه الرؤية من تصوّر لاهوتي إلى مبدأ سياسي يُطبَّق على الأرض بحق الفلسطينيين، بمباركة مؤسسات الدولة العبرية وقوانينها.
1-2: من الفكرة إلى الممارسة السياسية
منذ مؤتمر بازل عام 1897، بدأ الانتقال من النظرية إلى الممارسة، حيث اتخذت العنصرية الصهيونية شكلاً سياسياً منظماً يهدف إلى إقامة كيان نقي عرقيّاً، ومبنيٍّ على إقصاء السكان الأصليين، وإحلال جماعات مهاجرة محلهم وقد ترجم ذلك في ما بعد إلى سياسات تهجير جماعي وتشريعات قانونية منظَّمة.
الفصل الثاني: التشريعات العنصرية •• قوانين تُكرّس التمييز
2-1: قانون العودة (1950)
يُعتبر هذا القانون حجر الأساس في النظام العنصري الإسرائيلي ،إذ يمنح اليهود حول العالم حق العودة إلى أرض إسرائيل المزعومة، فيما يُحرم الفلسطيني الذي هُجّر من أرضه عام 1948 من العودة إلى بيته وبذلك يتحول المواطن الاصلى إلى لاجئ، والمهاجر إلى مواطن شرعي بمجرد انتمائه الديني.
2-2: قانون الجنسية (1952)
يمنح هذا القانون الجنسية تلقائياً لأي يهودي مهاجر، في مقابل وضع شروط تعجيزية على الفلسطينيين، حتى أولئك الذين يعيشون داخل الأراضي المحتلة ويمنع لمّ شمل العائلات الفلسطينية بحجج أمنية، ليُستخدم كسلاح ديموجرافى هدفه منع تكاثر الوجود العربي.
2-3: قانون أملاك الغائبين
يُمثّل هذا القانون أداة قانونية للسطو على أملاك الفلسطينيين الذين طُردوا أو فرّوا خلال النكبة، ويُصنَّفون قانوناً كغائبين ،حتى وإن كانوا يقيمون داخل الأرض المحتلة، في انتهاك فاضح لكل مبادئ القانون الدولي والحقوق المدنية.
2-4: قانون الدولة القومية (2018)
يُعتبر من أخطر القوانين العنصرية، حيث ينص على أن إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي ، ويجعل من اليهود وحدهم أصحاب السيادة ويُقصي اللغة العربية، ويُلغي حق الفلسطينيين في تقرير المصير أو التمثيل القومي داخل دولتهم المحتلة القانون في جوهره يُحوِّل التمييز إلى عقيدة دستورية.
الفصل الثالث: التمييز ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر
3-1: التمييز في توزيع الموارد والخدمات
يُعاني المواطنون العرب في الداخل من حرمان ممنهج في ميزانيات التعليم، والصحة، والبنية التحتية، والمواصلات وقد وثّقت منظمات حقوقية داخل إسرائيل مثل عدالة وجمعية حقوق المواطن هذه الفوارق باعتبارها مؤسساتية وليست فردية.
3-2: سياسات التخطيط العمراني وهدم المنازل
تُقيّد السلطات الإسرائيلية البناء في القرى والمدن العربية، وترفض منح التراخيص، مما يضطر السكان للبناء دون ترخيص، فتقوم بهدم منازلهم هذا يُقابل بتوسيع استيطاني متسارع في المناطق اليهودية، في تكريس للفصل العرقي.
إقرأ أيضاً: الباب الثاني: النكبة والاحتلال – التهجير، المجازر، وتدمير المجتمع الفلسطيني
3-3: التعليم كمجال للتمييز الثقافي
يُفرض على المدارس العربية مناهج تربوية خالية من سردية النكبة أو حق العودة، وتركّز على تطبيع الرواية الصهيونية في المقابل، تُمنَح المدارس اليهودية امتيازات في الموارد والمناهج والاستقلالية التربوية.
3-4: إقصاء سياسي مُمَنهج
رغم أن الفلسطينيين يشكّلون نحو 20% من سكان إسرائيل، إلا أنهم يُقصون من التأثير الفعلي في مؤسسات الدولة وتُستهدف أحزابهم بحملات نزع الشرعية أو الحظر، مثلما حدث مع حزب بلد و حزب التجمع ، ويُتعامل مع رموزهم كتهديد أمني بدلاً من شركاء سياسيين.
الفصل الرابع: ممارسات الفصل العنصري في الأراضي المحتلة
4-1: الضفة الغربية – دولة المستوطنات داخل دولة الاحتلال
تُسيطر إسرائيل على نحو 60% من أراضي الضفة الغربية وتُقيم فيها مستوطنات محمية بالجيش، في مقابل إخضاع الفلسطينيين لنظام قانوني وأمني مختلف هذا النظام المزدوج يُشكّل تعريفاً قانونياً دقيقاً للأبارتهيد .
4-2: القدس •• تهويد المدينة وسحب الهويات
تقوم إسرائيل بعمليات تطهير ديموغرافي ممنهج في القدس الشرقية من خلال سحب الإقامات، وهدم المنازل، وفرض الضرائب العالية، ومنع البناء، في محاولة لتهويد المدينة وإقصاء سكانها الأصليين.
4-3: غزة •• الحصار العنصري
يُفرض على قطاع غزة حصار شامل منذ 2007، يمنع دخول المواد الأساسية، ويُقيّد السفر، ويُعاقب السكان جماعياً ، في خرق واضح للقانون الدولي الإنساني، واعتبار سكان القطاع كياناً معادياً لا شعباً له حقوق.
الفصل الخامس: توصيف القانون الدولي للنظام الإسرائيلي
5-1: المنظمات الحقوقية الدولية
أعلنت منظمات كبرى مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أن إسرائيل تُمارس نظام فصل عنصري ضد الفلسطينيين، وهو ما اعتبرته جريمة ضد الإنسانية بموجب اتفاقية الأبارتهايد لعام 1973.
5-2: تطبيق التعريف القانوني للأبارتهايد
وفق القانون الدولي، الأبارتهايد هو نظام مؤسسي للهيمنة من قبل جماعة عرقية على أخرى وبالقياس على إسرائيل، نجد تطابقاً واضحاً في كل المعايير والقوانين، والممارسات، السياسة، والتخطيط، والإعلام، والأمن.
5-3: الفشل الدولي في المحاسبة
رغم التقارير الموثقة، فإن المواقف الدولية تتراوح بين التواطؤ (كما في الموقف الأمريكي)، أو الصمت (كما في موقف الاتحاد الأوروبي)، وهو ما يمنح إسرائيل غطاءً للاستمرار في ممارساتها العنصرية دون مساءلة.
الفصل السادس: الآثار النفسية والمجتمعية والاقتصادية للتمييز
6-1: تفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني
سياسات التمييز أنتجت أجيالاً من الفلسطينيين تعاني فقدان الشعور بالانتماء، أو تعاني من انقسام الهوية بين المواطنة المفروضة، والانتماء الوطني .
6-2: الفقر والبطالة والإقصاء
تؤدي هذه السياسات إلى معدلات بطالة مرتفعة، وانتشار الفقر، وتهميش مجتمعات كاملة، وخلق بيئة قابلة للانفجار تحت أي ضغط.
6-3: المقاومة كأداة بقاء
رغم كل هذه المعاناة، يواصل الفلسطيني تمسكه بهويته وأرضه، ويُطوّر وسائل مقاومة متعددة قانونية، إعلامية، شعبية، وميدانية، لتحدي النظام العنصري وكشفه للعالم
الفصل السابع: الآثار النفسية والمجتمعية والاقتصادية للتمييز العنصري في إسرائيل
7-1: سياسات ممنهجة لخلق مواطن من الدرجة الثانية
ليست العنصرية في إسرائيل حالة عرضية أو استثناء قانوني، بل هي منظومة مستمرة تُنتج فلسطينياً مقيَّد الحقوق، محروماً من المساواة، ومعزولاً عن اتخاذ القرار السياسي، حتى لو كان يحمل بطاقة هوية إسرائيلية ينعكس هذا بشكل مباشر على بنية الوعي الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة عام 1948، حيث يشعر المواطن العربي أنه مستهدف من الدولة لا محميّ بها.
يتربى الطفل العربي في الداخل الفلسطيني على إدراك واقع التمييز، سواء في المدرسة التي تقلّ مواردها التعليمية عن نظيرتها اليهودية، أو في الحيّ الذي تفتقر فيه البنيه التحتية ، أو في غياب المرافق العامة من الحدائق والمكتبات والمراكز الثقافية كل تلك الفروق تزرع في الذهن العربي شعوراً بالظلم المتراكم.
7-2: الفقر والبطالة والتهميش الاقتصادي
يعيش أكثر من 50% من فلسطينيي الداخل تحت خط الفقر، بحسب تقارير المراكز الإسرائيلية ذاتها وتبلغ معدلات البطالة في القرى والمدن العربية أضعاف مثيلاتها في الوسط اليهودي وتُقصى البلدات العربية من الخطط الاقتصادية الكبرى، ويُمنع عنها الدعم الحكومي المتوازن وفي سوق العمل، يتم توجيه الشباب العرب إلى مهن هامشية أو منخفضة الأجر، كما يُستبعدون من الوظائف الحيوية في الجيش، والشرطة، والمؤسسات الأمنية، ما يؤدي إلى غلق مسارات التقدم المهني أما النساء العربيات، فيعانين من أعلى معدلات التهميش والبطالة، نتيجة تداخل العنصرية مع البُنى الثقافية والاجتماعية المحاصرة.
7-3: الانقسام والتمزق الوجداني وفقد الهويه
يُفرض على المواطن العربي في إسرائيل أن يُعرّف نفسه بعربي إسرائيلي ،وهي صيغة تُضعف ارتباطه بالهوية الفلسطينية كما تمنع السياسات التعليمية والإعلامية أي تناول منهجي للنكبة، أو لرواية الفلسطيني عن وجوده وتاريخه هذا التفكيك هو أداة استراتيجية تستهدف استدامة السيطرة عبر إنتاج أجيال مقطوعة الجذور.
تُعاني الأُسر الفلسطينية في الداخل من ازدواج الهوية القسرية فهم يحملون جنسية دولة تُقصيهم وتخافهم، وينتمون إلى شعب يعاني التهجير والحصار والاحتلال وتُعمّق أجهزة الأمن هذه الأزمة بمراقبة وتحقيقات واعتقالات تستهدف النشطاء والمفكرين والشباب، بهدف ضبط المزاج العام وكبح التمرد الثقافي والفكري.
7-4: الأمن بدل التنمية – الانشغال الدائم بالصراع
في المجتمعات الفلسطينية، يتم توجيه الطاقات نحو البقاء والدفاع عن الحقوق الأساسية، بدلاً من التفرغ للتنمية والتعليم والابتكار يشعر المواطن العربي في الداخل والخارج أن وجوده مهدد دائماً ، وأن عليه أن يكون في حالة طوارئ دائمة لحماية ذاته، لغته، ومجتمعه.
ينعكس هذا الضغط النفسي في زيادة معدلات العنف الداخلي الذي غالباً ما يُغض الطرف عنه من قبل أجهزة الشرطة الإسرائيلية مما يُفرغ المجتمع من قدرته على التنظيم الذاتي، ويُحوّل الأزمات الداخلية إلى سلاح إضافي بيد دولة الاحتلال.
7-5: ثقافة الصمود كأداة للبقاء
رغم هذا الواقع المظلم، لم تُفلح سياسات التمييز في تفتيت الإرادة الجماعية للفلسطينيين بل إن الهوية الفلسطينية استعادت حيويتها، خاصة بعد هيبّة القدس والشيخ جراح، ومعركة سيف القدس، حيث توحّدت الميادين من غزة إلى الداخل، وأعاد الفلسطينيون إنتاج الوعي القومي عبر المقاومة الشعبية والثقافيةوالقانونية.
تمثل ثقافة الصمود اليوم طوق النجاة لمجتمع يسعى إلى التمسك بحقوقه رغم تشريعات التهجير، ومناهج التشويه، وسياسات التمييز ويتحوّل كل نشاط ثقافي، أو مدني، أو سياسي إلى فعل مقاومة معرفية في وجه أشرس نظام فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين.
الفصل الثامن: المقارنات الدولية.. إسرائيل وأشباهها من أنظمة الأبارتهايد
8-1: نموذج جنوب إفريقيا •• الدروس المتقاطعة
يُعدّ نظام الفصل العنصري الذي كان قائماً في جنوب إفريقيا النموذج الأشهر عالمياً ، وقد أُدين دولياً وأسقط بفعل نضال شعبي ودولي مشترك تتقاطع إسرائيل مع هذا النموذج في:
• وجود منظومتين قانونيتين منفصلتين لشعبين على الأرض نفسها.
• التوزيع غير العادل للموارد والخدمات.
• الهيمنة على الأرض والهوية من قبل مجموعة عرقية واحدة.
• حظر التنظيمات السياسية الوطنية للشعب الواقع تحت التمييز.
غير أن إسرائيل تتفوق في جانب خطير التطبيع الدولي والدعم الغربي غير المشروط، والذي لم يكن متاحاً لنظام جنوب إفريقيا في سنواته الأخيرة.
8-2: المقارنة مع النظم الكلاسيكية القديمه
تشترك إسرائيل مع نماذج استعمارية مثل الجزائر الفرنسية أو الهند البريطانية في كونها مشروعاً استيطانياً يسعى لإحلال جماعة محل أخرى لكن ما يُميز إسرائيل هو أنها تحاول الجمع بين الاستيطان والديمقراطية الشكلية، لإخفاء البنية العنصرية تحت غطاء القانون والتمثيل.
8-3: خصوصية النموذج الإسرائيلي •• العنصرية باسم الدين
تُبرر إسرائيل سياساتها العنصرية بالدين والتاريخ، وهو ما يُضفي طابعاً إلهياً على سياساتها، يصعب مواجهته بالخطاب السياسي العادي فبينما كانت أنظمة الأبارتهايد تتحدث عن فروق طبيعية ،تتحدث إسرائيل عن وعد إلهي وشعب مختار ، وهو خطاب يُوظّف الدين لتبرير الجريمة.
8-4: آليات التواطؤ العالمي
لا تواجه إسرائيل عزلة كما حدث في جنوب إفريقيا بل تستفيد من مظلة أمريكية أوروبية تحميها في مجلس الأمن، وتُروّج لروايتها عبر المنصات الإعلامية الدولية وهذا يعني أن إسقاط النظام العنصري الإسرائيلي يتطلب مقاومة مزدوجة داخلية وشعبية، وخارجية عبر الإعلام والحقوق والقانون.
8-5: سُبل استلهام التجارب
من الدروس المستفادة:
• أهمية التحشيد الدولي حول الرواية الحقوقية لا السياسية.
• بناء تحالفات مدنية وأكاديمية وإعلامية عالمية.
• فضح تناقض الغرب بين تبنيه لحقوق الإنسان ودعمه لإسرائيل.
• استخدام الأدوات القانونية الدولية لمحاصرة إسرائيل دبلوماسياً.
الخلاصة والتوصيات استراتيجية
تثبت فصول هذا الباب بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل تمثل نموذجاً مكتمل الأركان لدولة أبارتهايد، وأن التمييز ضد الفلسطينيين ليس ظاهرة هامشية أو مؤقتة، بل هو جوهر النظام السياسي .
إن المشروع الصهيوني، كما يتجسد في دولة إسرائيل، لا يسعى فقط للسيطرة الجغرافية، بل لبناء كيان عرقي على حساب السكان الأصليين، بكل ما يتطلبه ذلك من تطهير وتهجير للعنصرية.
التوصيات:
• إطلاق مبادرة حقوقية عربية لتوثيق كل مظاهر الفصل العنصري الإسرائيلي وتقديمها إلى المؤسسات الدولية.
• دعم حركات المقاطعة على المستويات الأكاديمية والثقافية والاقتصادية.
• تعزيز الرواية القانونية للقضية الفلسطينية باعتبار ما يحدث جريمة ضد الإنسانية، وليس مجرد نزاع سياسي .
• تفعيل الإعلام الحقوقي العربي والدولي، لنقل الواقع بعيداً عن الرواية الصهيونية.
• إعادة تعريف إسرائيل دولياً على أنها نظام فصل عنصري، يتطلب عزلاً دبلوماسياً لا تطبيعاً
خاتمة الباب الثالث
لقد استعرض هذا الباب بأفكاره وفصوله المحورية طبيعة البنية العنصرية للدولة الإسرائيلية، ليس بوصفها مجرد انحراف أخلاقي أو حالات فردية، بل كنظام متكامل قائم على التمييز العرقي المُمأسس، تم تصميمه بعناية ليؤسس لهيمنة يهودية صهيونية مطلقة في مواجهة وجود فلسطيني أصيل، تم تجريده من الأرض والحق والتمثيل.
لقد بدأنا هذا الباب باستعراض الخلفيات الفكرية والدينية للمشروع الصهيوني، حيث تبين أن فكرة شعب الله المختار وأرض الميعاد ليست مجرّد أساطير موروثة، بل تحوّلت إلى مرجع أيديولوجي تُبنى عليه القوانين والسياسات، ويُبرَّر به الاستيطان والقتل والطرد، مما يجعل التمييز عنصرياً بصبغة دينية عقائدية، ويمنحه طابعاً وجودياً خطيراً.
ثم انتقلنا إلى تحليل القوانين الإسرائيلية الأساسية، مثل قانون العودة، وقانون الجنسية، وقانون الدولة القومية، والتي أكدت كلها أن إسرائيل ليست دولة لكل مواطنيها، بل دولة لمواطنيها اليهود فقط فاليهودي من أوروبا يحصل على الجنسية والإقامة فوراً، بينما يُمنع الفلسطيني صاحب الأرض من العودة إلى بيته، ويُحرم من التجنس أو حتى من لمّ شمل أسرته إنها دولة تفوّق عنصري مُقنّن، تستند إلى أدوات تشريعية لا تقلّ فظاعة عمّا شهدته أنظمة الأبارتهايد في جنوب إفريقيا.
كما تناولنا في هذا الباب بعمق أنماط التمييز الداخلي ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، من خلال آليات التخطيط العنصري، وتقسيم الموارد، والتهميش الاقتصادي، والتضييق الثقافي، والملاحقة السياسية، حيث يُعامل الفلسطينيون كمواطنين من الدرجة الثانية، يُسمح لهم بالبقاء دون تمكين، وبالوجود دون صوت مؤثر.
ثم استعرضنا كيف تُمارس إسرائيل نظام فصل عنصري صريح في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة هناك، يتم فصل السكان الفلسطينيين عن المستوطنين اليهود من خلال الطرق والحواجز والقوانين، ويُحاكم الفلسطيني أمام محكمة عسكرية، بينما يحاكم المستوطن المدني أمام قاضٍ مدني تُهدم بيوت الفلسطينيين وتُبنى مستوطنات مكانها، وتُسحب الإقامات من المقدسيين، ويُفرض الحصار الخانق على غزة، في عملية تطهير ديموجرافى صامتة ومتواصلة.
وقد عرضت في فصول الباب الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه السياسات العنصرية، والتي تُنتج جيلاً ممزق الهوية، فاقد الثقة بالمؤسسات، واقع تحت سطوة الفقر والتمييز، ولكنه رغم كل ذلك يُبدع اشكالاً متعددة من الصمود والمقاومة، تجسّد التمسك بالأرض والهوية كجزء من المعركة الوجودية ضد المشروع الصهيوني.
ولم يغفل هذا الباب عن مقارنة النموذج الإسرائيلي بنظم عنصرية تاريخية مثل جنوب إفريقيا، حيث تبيّن أن إسرائيل تتفوق في مستوى العنصرية المقننة، وتتمتع بدعم سياسي وإعلامي غربي يجعل من ممارساتها جريمة دولية مستمرة ومحمية، في تحدٍ فاضح لكل مواثيق حقوق الإنسان.
إسرائيل ليست مجرد دولة مارست تمييزاً في مراحل معينة، بل هي كيان استعماري استيطاني قام ويقوم على التفوق العرقي، وتطهير السكان الأصليين، وحرمانهم من كل أشكال الحقوق القانونية والإنسانية.
إن النظام الإسرائيلي هو نموذج حديث للأبارتهايد، يخفي عنصريته تحت غلاف الديمقراطية الزائف، ويُصدِّر للعالم صورة دولة متحضّرة، فيما يمارس داخل الأرض المحتلة نظاماً يقوم على الفصل والقمع والهيمنة.
التوصيات الاستراتيجية
- إعادة تعريف إسرائيل على المستوى العربي والدولي كدولة فصل عنصري لا شريك ديمقراطي.
- مضاعفة الجهود الإعلامية والحقوقية لكشف التمييز المقنن داخل الأراضي المحتلة والداخل الفلسطيني.
- تدويل ملف الأبارتهايد الإسرائيلي عبر المحاكم والهيئات الدولية.
- التحرك السياسي العربي لتجميد أي مسار تطبيعي مع كيان عنصري يرتكب جرائم منهجية بحق الإنسانية.
- تشجيع الأدب والسينما والفن العربي المقاوم على إنتاج سردية موازية تُعرّي الوجه الحقيقي لهذا الكيان إن المشروع الصهيوني لم يكن يوماً مشروع دولة عادية، بل مشروع عنصري توسعي يستند إلى رواية زائفة ودعم دولي مشبوه. والرد الحقيقي عليه لا يكون فقط بالمواجهة العسكرية، بل ببناء وعي شامل يفضح الأكاذيب، ويُعيد صياغة الخطاب، ويحرّر العقل العربي من غشاوة التضليل والتطبيع.
وإن هذا الباب، بما احتواه من توثيق وتحليل وتفسير، يُعدّ ركيزة معرفية لفهم طبيعة العنصرية الإسرائيلية، وكيفية مجابهتها، لنواصل طريقنا في باقي أبواب الموسوعة، لكشف باقي أركان المشروع الصهيوني بكل أدواته الإجرامية والفكرية.
نلتقي في الباب الرابع: آلة الاغتيالات الصهيونية استهداف القادة والعلماء والمفكرين
ضمن استمرار مشروعنا التوثيقي لفضح هذا الكيان الغاصب، وتمكين العقل العربي من أدوات المواجهة