ساحة الرأي

محمد حراز يكتب السراب الحلقة الخامسة 

 

بعد تلقى صلاح تعليمات رجل الموساد حاقان عن طريق الوسيط الإفريقي، بميدان الحسين، بضرورة تنويع مصادره، الأمر الذي جعل صلاح يكثف من وجوده وسط طبقات المجتمع المختلفة، خاصة بعد تسلمه مبلغ من المال من الشاب الإفريقي، فاستطاع أن يتواجد بصورة شبه يومية بين جامعة عين شمس وجامعة الأزهر، مستخدما عدد من الكارنيهات المزيفة، لكن كان حريصا ألا يتواجد في نطاق وجود شقيقه ياسر الذي يدرس في السنة النهائية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، واستطاع أن يكسب صداقات عديدة هنا وهناك، فقد تمكن من كسب صداقة الطالب زياد المنوفى طالب الفرقة الثانية بكلية العلوم جامعة عين شمس، بعد أن قدم له نفسه، على أنه سعيد أبو المجد طالب بالفرقة الأولى بكلية العلوم.

وجد صلاح ضالته في الطالب زياد، بسبب كثرة كلامه بين زملائه، الأمر الذي لفت نظره إليه وبشدة، وقد استطاع صلاح الحصول منه على معلومات غاية في الأهمية، حول أماكن وعناوين المطارات الحربية، وكذلك أماكن تمركز كتائب المشاه وقواعد الصواريخ..

استطاع صلاح أن يسيطر على زياد سيطرة تامة، بكثرة الإنفاق عليه، الأمر الذي لاقى استحسان زياد، كونه واحد من المغتربين بالقاهرة، فجعل منه المصدر الأول للأخبار التي يريدها، خاصة وهما على موائد الطعام..

 

بولاق أبو العلا في يوم الجمعة الموافق ٢ ابريل ١٩٧١

البيارق والأعلام وأنوار الزينة تملأ الشارع، وعلى واجهة منزل عبد الفتاح رشوان، وأغاني الأفراح تعم الحي بالكامل بمناسبة حفل زفاف مديحة شقيقة صلاح

صلاح يوزع الشربات على المعازيم، المعازيم الذين ملؤوا الشارع وجاءوا لعمل الواجب لإبنة منطقتهم..

مديحة تنظر من الشباك وهي في منتهى السعادة بما تراه من شقيقها صلاح، فقد رأته وهو يوزع الشربات بنفسه..

اسماعيل لشقيقه ياسر: معقول يامولانا، صلاح هو اللي بيوزع الشربات .. أنا مش مصدق عنيا، سبحان مغير الأحوال..

ياسر: صلاح من فترة وهو متغير يا اسماعيل .. انت مش ملاحظ كده؟!

اسماعيل: والله ملاحظ لكن بصراحة مش مصدق .. أقول إيه .. ربنا يصلح الحال

صلاح يقترب منهما وهو يحمل الشربات: عقبالك يا اسماعيل، مديحة خلاص ساعات وهاتروح بيت جوزها، عايزين نفرح بيك بقى، كفاية عليك تعب وشقى وعزوبية ياراجل….

اسماعيل ينظر لياسر ويقول: انت سامع اللي انا سامعهُ يامولانا؟!

ياسر: صلاح يا اسماعيل…..

هنا يقاطع صلاح شقيقه ياسر ويقول: إيه ياسُمعه، انت فاكر ان خلاص مش حاسس بيكم وعايش مشاكلكم … لأ طبعا، حاسس وعايش وعارف قد إيه انت شقيت وتعبت لحد ياسر ما أخد شهادته واتخرج، وعارف كمان، قد إيه ضهرك اتكسر في جهاز مديحة .. اوعى تكون فاكر ان مش عارف كل ده، لا يا اسماعيل .. عارف انك شيلت المسؤولية مع ابوك واحنا ولاد صغيرين، وشيلتها لوحدك بعد ما مات، عارف كل ده، وعارف كمان قد إيه احنا اتظلمنا في عيشتنا وفي مرض اّمنا، علشان كده جه الوقت اللي أقولك فيه، كفاية عليك شقى لحد كده، فرحك ومصاريف جوازك عليا بالكامل وعروستك كمان عندي..

هنا يقوم اسماعيل بصورة لا إرادية باحتضان صلاح وياسر ثم قال: ربنا يخليكم ليا، لكن مين العروسة؟!

صلاح: نشوى جارتنا بنت عم أمين الطباخ..

مديحة ترى ذلك المشهد من خلف شباك حجرتها، فتنهمر دموعها وهي بفستان زفافها، فقالت لها نشوى صديقة عمرها: إيه الدموع دي يامديحة؛ انت بتبكي يوم فرحك؟!

مديحة: ببكي لأن عمري ماشفت اخواتي بيحضنوا بعض غير النهارده، كان نفسي أمي وابويا يكونوا عايشين ويشوفوا اخواتي وهما فرحانين، وواقفين مشرفِنْي وسط الحي كله.

نشوى: ربنا يخليهم على حس بعض. اسماعيل اخوكي شهم ومؤدب.

هنا تنظر مديحة إلى نشوى وتبتسم ابتسامة لها مفهومها ومغزاها عند البنات، ثم تقول إيييم سيدى ياسيدى

نشوى: وبعدين معاكي يامديحة

مديحة: هو كمان عينيه منك من زمان……

وهنا تدخل البنات لتبدأ زفة مديحة حيث ينتظرها محمود وسط فرحة كبيرة من أهل الشارع، ليشهد حي بولاق أبو العلا زفة، لم يراها الناس من قبل إكراما لذكرى الرجل الطيب عبدالفتاح رشوان

 

اليونان، مكتب الموساد مساء الأربعاء الموافق ١٦ يونيو ١٩٧١

حاقان: زاره

زاره: تمام حاقان

حاقان: طيارة صلاح هاتوصل بعد بكره الساعة ٩ مساءا بتوقيت أثينا، مش محتاج أقولك إيه المفروض يحصل.

زارة: اطمن حاقان .. بمجرد وصوله هايتم التعامل معاه وفق التعليمات..

حاقان: أنا عارف انك حبتيه زاره، لكن مصلحة الوطن فوق أي اعتبار

زاره: لكن انت وعدت حاقان بأنك لن تمانع من زواجي منه

حاقان: هذا يتوقف عليكِ زاره

زاره: وماذا لو رفض التخلي عن الجنسية، وعن اعتناق اليهودية حاقان؟!

حاقان: هذا يتوقف على حبه لكِ زاره

 

القاهرة

مبنى المخابرات المصرية عصر الخميس الموافق ١٧ يونيو ١٩٧١

السيد سليم راشد يطرق باب السيد محمود العلايلي مدير الجهاز

السيد محمود العلايلي: اتفضل .. تعالى ياسليم

السيد سليم: اتفضل يافندم .. التقرير اللي حضرتك طلبته

السيد محمود العلايلي يتصفح التقرير المكون من ست صفحات، ثم يقول: مش عايز صلاح يغيب عن عينيكم لحظة واحدة .. بيقعد مع مين، بيسهر مع مين، تنقلاته .. حركاته، عايز أعرف بيتنفس كام مرة في الدقيقة.

السيد سليم: طالما تأكدنا من خيانته ليه منقبضش عليه يافندم؟!

السيد محمود العلايلي: غلط ياسليم، وجود صلاح تحت عنينا هايكشف لنا كل المتعاونين معاه، تفتكر لو قبضنا عليه بعد اكتشاف تعاونه مع حاقان، كنا عرفنا ان الشاب الإفريقي “كاتو” بيتعاون مع الموساد؟!

السيد سليم: مع حضرتك حق يافندم

السيد محمود العلايلي: طول ماهو تحت إيدينا مفيش منه خوف ياسليم .. قولي ياسليم، أخبار زياد المنوفى إيه؟!

إلى اللقاء في الحلقة السادسة

السيد الأعرج

محرر متخصص في تغطية أهم أخبار والأحداث الرياضة محلياً وعالمياً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى