ساحة الرأي

أحمد الشرع من قفص الاتهام إلى قصر الرئاسة.. الوجه الآخر للرئيس الجهادي

بقلم: اللواء/ أحمد زغلول مهران
عضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز “رع” للدراسات الاستراتيجية
نائب رئيس حزب المؤتمر – رئيس الهيئة العليا للحزب

في منعطف سياسي استثنائي من تاريخ سوريا الحديث، يظهر أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني، على رأس الدولة السورية كرئيس انتقالي تحوّله من قائد لتنظيمات مصنفة إرهابية إلى زعيم يرتدي البدلة الرسمية ويخاطب العالم من منابر الأمم المتحدة، يطرح تساؤلات جوهرية:
هل نحن أمام قائد تائب يحمل مشروعاً وطنياً لإنقاذ ما تبقى من سوريا؟
أم أن ما نشهده هو عملية تبييض منظم لتاريخ دموي وأجندة جهادية لم تتغيّر، بل تغيّرت أدواتها فقط؟

أولاً : من جهاد العراق إلى نصرة الشام والانخراط في القاعدة

أحمد الشرع لم يكن يوماً شخصية هامشية في مسار التنظيمات الجهادية بدأ نشاطه مع تنظيم القاعدة في العراق أثناء الاحتلال الأمريكي، حيث خضع لتدريبات متقدمة في التفجيرات، الاغتيالات، والتخطيط للعمليات النوعية، وكان أحد تلامذة أبي مصعب الزرقاوي أحد أبرز وجوه الإرهاب في القرن الحادي والعشرين
تكوّن الشرع في بيئة عقائدية صلبة تؤمن بالجهاد العالمي، وترفض النظام الدولي برمته، وتنظر إلى الحدود والدول كبدع استعمارية يجب أن تُزال.

تأسيس جبهة النصرة

في عام 2012، ومع اشتداد الصراع في سوريا، عاد الشرع إلى بلاده ليؤسس جبهة النصرة، التي أعلنت انتماءها لتنظيم القاعدة، قبل أن يعلن البيعة العلنية لأيمن الظواهري في 2013
خلال تلك الفترة، شاركت الجبهة في عمليات تطهير طائفي، ومارست عنفاً مفرطاً بحق المدنيين، مستخدمة التكفير كذريعة للتصفية الجسدية، والسيطرة على المناطق.

لم يكن الشرع مجرّد قائد ميداني، بل كان مفكّراً استراتيجياً في بناء التنظيم، وله دور محوري في تحويل مناطق من سوريا إلى نماذج مصغرة لإمارات إسلامية .

ثانياً : تبييض الوجه – مسرحية فك الارتباط وإعلان الانفصال عن القاعدة

في عام 2016، وفي ظل الضغوط العسكرية والسياسية، أعلن الشرع فك ارتباط جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة، وتحوّلها إلى هيئة تحرير الشام .
لكن هذه الخطوة لم تُقنع المراقبين، بل وصفها كثيرون بأنها مناورة سياسية، تهدف لتجنّب التصنيف الإرهابي والحصول على شرعية أمر واقع.

إقرأ أيضاً: موسوعة “المشروع الصهيوني.. التاريخ، الاحتلال، المواجهة” | الباب الثالث: إسرائيل كدولة عنصرية.. السياسات، القوانين والتمييز

شهادات منشقين وتقارير استخباراتية دولية أكدت أن الانفصال كان شكلياً، وأن التنسيق الأمني والعقائدي مع القاعدة ظلّ قائماً، خاصة في التوجّه الفكري ورفض الدولة المدنية الحديثة.

سيطرة عسكرية على إدلب

بعد ذلك، تمكّنت هيئة تحرير الشام من السيطرة على إدلب، وتحويلها إلى منطقة نفوذ مغلقة تم ذلك من خلال:
• سلسلة اغتيالات ممنهجة طالت القادة المنافسين.
• فرض الحسبة الدينية والرقابة الأمنية على السكان.
• تهميش القوى المدنية والثورية.
• تطبيق فكر سلفي متشدد على الحياة اليومية، في التعليم، اللباس، وحريات التعبير.

الشرع، أو الجولاني، حافظ على سلطته من خلال جهاز أمني فعّال، وعبر امتصاص الضربات الدولية دون الدخول في صدام مباشر، متمسكاً بجوهر فكره الجهادي، وغلاف سياسي مدني.

ثالثاً : اللقاء التلفزيوني في أمريكا حملة تبييض أم أجندة ناعمة؟

المقابلة التي أثارت الجدل

بتاريخ 22 سبتمبر 2025، وأثناء مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أطلّ أحمد الشرع في مقابلة مع قناة أمريكية كبرى، في محاولة واضحة لإعادة تقديم نفسه كرجل دولة.

في اللقاء، تحدّث بلغة معتدلة عن:
• إعادة بناء سوريا
• التصالح مع المجتمع الدولي
• احترام السيادة والحدود
• محاربة الإرهاب وهو ما أثار سخرية واسعة
لكن خلف الكواليس:
• لم يُقدّم أي اعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها جبهة النصرة.
• لم يعترف بمسؤوليته عن تصفية خصومه تحت شعار الردة .
• لم يطرح برنامجاً لنزع سلاح الهيئة أو دمجها في مؤسسات الدولة.
• تجاهل حقوق الأقليات، والمعتقلين السياسيين، والانتهاكات الحقوقية في إدلب.

المقابلة، التي بدت ودّية ومهندسة إعلامياً، كانت في الحقيقة محاولة ذكية لخلط الأوراق، وتصدير صورة جديدة تخفي تاريخاً دموياً حافلاً بالإرهاب.

رابعاً : ماذا وراء القناع؟ أجندة لم تتغير

مشروع دولة الخلافه ولكن عبر السياسة

تحوّل الجولاني من رجل الكهوف إلى رجل المؤتمرات لم يكن وليد مراجعة فكرية، بل خياراً استراتيجياً لبلوغ السلطة فالفكر الذي يؤمن به لا يزال قائماً على:
• إعادة تشكيل مؤسسات الدولة على أساس الشريعة السلفية.
• إدماج المقاتلين السابقين كحماة للمنظومة الجديدة.
• ترسيخ خطاب ديني تعبوي يستند إلى فقه الطاعة لا إلى العقد الاجتماعي.

تهديد لمكونات المجتمع السوري

القلق من الشرع لا يرتبط بماضيه فحسب، بل بمستقبل يُخشى أن يُعاد فيه إنتاج دولة استبدادية بلبوس ديني، حيث:
• يُقصى الأقليات الدينية كالمسيحيين والعلويين والدروز.
• تُهمّش القوى المدنية لصالح شيوخ السلفية.
• تُفرض أحكام الشرع وفق رؤية لا تتناسب مع التعدد السوري.

خامساً : الموقف الدولي هل يُخدع العالم؟

محاولات لكسب الغرب

في خطابه الدولي، يحاول الشرع تقديم نفسه كقوة معتدلة قادرة على حفظ الأمن ومحاربة بقايا داعش، مقابل الاعتراف به ورفع العقوبات المفروضة على مناطق نفوذه?يقدّم نفسه على انه :
• بديل آمن عن النظام السابق
• شريك في الاستقرار
• رأس جسر بين الشرق والغرب
لكن الواقع يفضح الادعاء:
• فرنسا وألمانيا ترفضان الاعتراف بشرعيته.
• تقارير أمنية أوروبية تحذّر من تسلل عناصر جهادية إلى مؤسسات الحكم.
• منظمات حقوقية تطالب بمحاكمته بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية.
الرهان على أحمد الشرع كشريك مستقبلي للغرب قد يكون مقامرة مكلفة، إذا لم تُطرح شروط واضحة للمحاسبة والشفافية.

هل يتغير الشرع أم فقط يغير جلده؟

أحمد الشرع، رغم كل محاولاته لإعادة تشكيل صورته، لم يُظهر مراجعات فكرية حقيقية، ولا قدّم خطة للتطهر من تاريخه الجهادي، ولا التزم بأجندة إصلاح سياسي تتضمن نزع السلاح والمحاسبة إن لم يكن هناك ضغط دولي صارم، ومراقبة داخلية فاعلة، فإننا أمام سيناريو محتمل لتأسيس دولة دينية بمظهر جمهوري ،حيث يتم تداول السلطة شكلياً، لكنها تبقى مرهونه بالعقيده الجهادية التي تعهد لها أحمد الشرع منذ أكثر من عقدين

سادساً : إسرائيل وأمريكا بين الصمت والتواطؤ؟

الموقف الأمريكي من المطاردة إلى الاحتضان

لم يكن من السهل على المراقبين فهم التحوّل الأمريكي من تصنيف الجولاني (الشرع) على قوائم الإرهاب، ورصد مكافأة لمن يُدلي بمعلومات عنه، إلى إجراء مقابلات معه على شبكات أمريكية، والسماح له بالظهور خلال فعاليات في نيويورك كزعيم دولة
يطرح هذا التحوّل تساؤلات مشروعة:
• هل تغيّر تقييم واشنطن للجماعات الجهادية تبعاً لاختلاف مصالحها المرحلية؟
• هل تُعاد صياغة مفهوم الإرهاب الأميركي بناءً على الوضع السياسي لا الأيديولوجي؟
• هل نحن أمام نسخة جديدة من طالبان التي يمكن التفاوض معها؟ حيث ان التقارب الإعلامي والسياسي يُظهر نية لتوظيف الشرع كأداة ميدانية لتحقيق التوازن الإقليمي بعد رحيل النظام القديم، دون استدعاء فعلي لسجله الدموي.

الغياب الإسرائيلي المريب

رغم أن الشرع يُسيطر فعلياً على جزء حساس من سوريا، ويقود حركة مسلحة كانت قبل سنوات تُصنّف تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل، إلا أن الموقف الإسرائيلي كان لافتاً ببروده وصمته.
لم نرَى أي اعتراض رسمي، ولا تحذير من تنامي نفوذ هيئة تحرير الشام، ولا نشاط ميداني في مناطقها والاحتمالات المطروحة:
• تفاهمات غير معلنة عبر قنوات خلفية تركية أو غربية ،تؤمّن لإسرائيل التهدئة مقابل الحماية غير المباشرة للهيئة.
• استراتيجية عدوٌّ ضعيف خيرٌ من الفوضى حيث ترى إسرائيل في الشرع شخصية يمكن احتواؤها، أو على الأقل ضمان عدم فتح جبهة في الجولان.
• توظيف بقاء الهيئة في إدلب قد يُخدم الرؤية الإسرائيلية بإبقاء سوريا مفككة، ما يُعيق أي قوة إقليمية معادية من إعادة بناء نفوذها، سواء إيران أو حزب الله ومع غياب أي تصريحات رسمية أو تسريبات واضحة، يبقى السؤال مفتوحاً
هل أحمد الشرع يشكّل تهديداً لإسرائيل؟ أم أنه اصبح جزءاً من التوازنات التي لا تُمسّ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى