زلزال القدس وتداعياته.. قراءة استراتيجية في الرد الإسرائيلي: السيناريوهات القادمة والمواقف الدولية!
بقلم : اللواء / أحمد زغلول مهران
العملية النوعية الأخيرة التي وقعت في القدس المحتلة لم تكن مجرد هجوم مسلح، بل مثلت زلزالاً سياسياً وأمنياً أربك الحسابات الإسرائيلية، وكشف هشاشة الردع الذي طالما افتخرت به حكومة الاحتلال وما اعقب ذلك من ردود عسكرية وأمنية عنيفة ضد قطاع غزة والضفة الغربية، أعاد طرح الأسئلة حول حدود التواطؤ الدولي، والموقف العربي الغائب، والدور المصري الحاضر بقوة في معادلة ردع العدوان وإنقاذ الأبرياء.
في هذا التقرير التحليلي، نرصد أبعاد الرد الإسرائيلي، وتحول عقيدته الأمنية، ومدى تأثير الدعم الأمريكي في تغذية آلة العنف، مع استعراض المواقف الإقليمية والدولية، وطرح السيناريوهات المتوقعة، والتوصيات الاستراتيجية اللازمة.
أولاً: الرد الإسرائيلي على حادث القدس
جاء الرد الإسرائيلي سريعاً وعنيفاً، عبر سلسلة غارات جوية مكثفة على قطاع غزة، شملت استهدافاً مباشراً للمواقع المدنية بما فيها المستشفيات والمدارس ومخازن الغذاء، في مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني ، كما شهدت الضفة الغربية، خصوصاً القدس ومحيطها، عمليات تمشيط واعتقال واسعة، بالتزامن مع فرض الإغلاق على عدة بلدات ومخيمات على اثر ماحدث في حي “راموت” بالقدس، حيث نفذ فلسطينيان عملية إطلاق نار على موقف حافلات، أوقعت 6 قتلى و12 جريحاً ، وردت عليها إسرائيل بإعلان حالة الطوارئ القصوى، ما فتح المجال أمام مزيد من التصعيد في غزة، ورفع حالة الاستنفار على الجبهة الشمالية مع لبنان.
ثانياً: التصريحات الرسمية وتحول العقيدة الأمنية
تميزت التصريحات الإسرائيلية بعد الحادث بالتصعيد المفرط، حيث توعد نتنياهو بتغيير قواعد اللعبة ، وشدد وزير الدفاع على مواصلة الحرب حتى استئصال جذور المقاومة بالكامل حيث يشير هذا التحول إلى تغيير جوهري في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، من الاحتواء المحدود إلى سياسة العقاب الجماعي والاستباق حتى لو تضمن ذلك تجاوز القوانين الدولية ومخالفة الإجماع الدولي.
ثالثاً: الدعم الأمريكي وتغذية العنف
الدعم الأمريكي غير المشروط مثّل عنصراً رئيسياً في استمرار العدوان الإسرائيلي، حيث أرسلت واشنطن شحنات عاجلة من الذخيرة الذكية، وقدّمت تقنيات متطورة لتعقب الأنفاق والطائرات المُسيّرة.
في المقابل، اكتفت الإدارة الأمريكية ببيانات دبلوماسية تدعو لضبط النفس من الطرفين، دون إدانة واضحة للانتهاكات، ما أضعف قدرة المجتمع الدولي على التدخل أو فرض وقف لإطلاق النار.
رابعاً: الموقف المصري والعربي
أعلنت مصر موقفاً واضحاً منذ اللحظة الأولى، برفض أي عمليات برّية أو تهجير قسري في رفح، معتبرة ذلك خطاً أحمراً ،كما واصلت بفتح معبر رفح لإدخال المساعدات منذ بداية الأزمه ولم يغلق مطلقاً من ناحيتنا وشكلت غرفة عمليات دبلوماسية للتهدئة ، إلا أن الرد الإسرائيلي جاء بمزيد من الرفض والعناد.
وعلى الصعيد العربي، لم تتجاوز ردود الفعل حدود التنديد الرسمي، في ظل غياب خطة تحرك موحده أو تحرك سياسي ضاغط في المحافل الدولية.
خامساً: السيناريوهات المتوقعة خلال الأيام القادمة
- تصعيد ميداني واسع في غزة، مع عمليات برّية محدودة تستهدف الوسط والجنوب.
- توسيع نطاق القصف الجوي ليشمل المزيد من الأهداف المدنية.
- تعليق الوساطات القطرية والمصرية مؤقتاً في ظل رفض إسرائيلي لأي مفاوضات.
- تشديد الإجراءات الأمنية في الضفة الغربية والقدس، تحسباً لاندلاع انتفاضة ثالثة.
- تعزيز انتشار الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية مع لبنان خشية التصعيد المتزامن.
سادساً: التحديات والسلبيات
• كارثة إنسانية متفاقمة في غزة مع تزايد أعداد الضحايا ونفاد الإمدادات.
• تهديد مباشر لاتفاقيات السلام وزيادة مخاوف من تصدير الأزمة إلى الجوار.
• فقدان ثقة الفلسطينيين والعرب بالمجتمع الدولي.
• احتمالية انزلاق المنطقة إلى مواجهة إقليمية موسعة تشمل لبنان وربما سوريا.
سابعاً: آخر التطورات داخل الاراضى المحتله حتى 8 سبتمبر 2025
• غزة تشهد تصعيداً غير مسبوق، حيث ارتفعت أعداد الشهداء إلى أكثر من 62,000 شهيد منذ بداية العدوان، بينهم آلاف الأطفال والنساء، مع تدمير واسع للبنية التحتية.
• الضفة الغربية تشهد تصاعداً في الاعتقالات وهدم المنازل، وفرض حظر تجوال على عدة مناطق، وسط توقعات باندلاع انتفاضة ثالثة.
• المواقف الدولية بدأت تشهد تغيرات نوعية، حيث أعلنت إسبانيا وأيرلندا ومالطا الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين.
• منظمة التعاون الإسلامي أدانت الجرائم المرتكبة، وطالبت بتحقيق دولي عاجل.
• الأمم المتحدة وجهت انتقادات علنية لإسرائيل، ودعت لوقف العمليات فوراً، إلا أن مجلس الأمن لا يزال مشلولاً بفعل الفيتو الأمريكي.
ثامناً: تهديد نتنياهو لسكان غزة بالخروج.. نذر تطهير عرقي؟
في سابقة خطيرة، وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم 8 سبتمبر 2025، رسالة وصفها البعض بأنها “إنذار إبادة”، قال فيها نصاً:
“على سكان غزة، خاصة في مدينة غزة، أن يغادروا الآن لأننا سنضرب بقوة غير مسبوقة، ولن ننتظر أكثر”.
هذا التصريح الذي تم بثه عبر الإعلام العبري والدولي، لا يمكن فهمه إلا في سياق التهديد المباشر بالتطهير العرقي والتهجير القسري الجماعي، وهو ما يُصنّف قانونياً كجريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة، ونظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.
الرسالة لم تكن مجرد تحذير عسكري، بل جزء من استراتيجية إسرائيلية ممنهجة لدفع المدنيين إلى النزوح القسري باتجاه الغرب اتجاه الحدود المصريه في ظروف إنسانية كارثية، تحت الحصار، وبدون ممرات آمنة.
أبعاد التهديد:
• أ. قانوناً: التهديد يُعد انتهاكاً صارخاً لمبدأ حماية المدنيين، ويشكل دليلاً مباشراً على نية التهجير، ما يدعم الملفات القانونية المرفوعة ضد إسرائيل.
• ب. إنسانياً: لا تتوفر أي مناطق آمنة حقيقية داخل غزة، وكل مناطق الإخلاء التي تروّج لها إسرائيل، كانت هدفاً للقصف في مرات سابقة.
• ج. سياسياً: يمثل التهديد رسالة موجهة أيضاً إلى المجتمع الدولي، بأنه لا نية لوقف العدوان، بل العكس، التصعيد قادم وقد يتضمن إعادة رسم ديموجرافية القطاع.
الرد العربي والاقليمى:
على الجانب العربي، صدرت تحذيرات مصرية واضحة من محاولة دفع سكان غزة نحو الحدود، مؤكدة أن ذلك “خط أحمر”، لكن الموقف الإقليمي لا يزال دون مستوى التهديد.
تاسعاً: التوصيات الاستراتيجية
- توحيد الموقف العربي عبر إجراءات اقتصادية وسياسية تتجاوز الإدانات.
- اشتراط الوساطة المصرية بوقف كامل للعدوان وفتح المعابر الإنسانية.
- المطالبة الدولية بلجنة تحقيق مستقلة في جرائم الحرب المرتكبة.
- تحريك حملات المقاطعة الدولية للمنتجات الإسرائيلية والشركات الداعمة لها.
- إرسال قوافل إغاثية طبية وغذائية عاجلة تحت مظلة جامعة الدول العربية.
- اللجوء لمحكمة العدل الدولية وتقديم ملفات قانونية متكاملة ضد الاحتلال.
فى النهايه ما يجري اليوم ليس مجرد تصعيد عسكري، بل لحظة فاصله في مسار القضية الفلسطينية زلزال القدس أعاد تشكيل الميدان، وكشف حدود القوة الإسرائيلية، وتواطؤ بعض القوى الدولية.
وان التصريح الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي دعا فيه سكان غزة علنًا إلى “الخروج فورًا”، ليس مجرد تهديد عابر، بل إعلان نوايا واضح نحو التهجير القسري الجماعي، في تكرار فجّ لسياسات التطهير العرقي هذه التصريحات، التي تتزامن مع قصف متواصل للمناطق المدنية، تضع العالم أمام اختبار أخلاقي وقانوني حاسم إما مواجهة هذه السياسات العنصرية والمخالفة للقانون الدولي، أو القبول بها كأمر واقع يُعيدنا لعصور الظلام الاستعماري
وإن مسؤولية مصر التى دائماً تتحمل المسؤولية لكونها نبض الأمه العربيه وعرينها الذى لا يُحطم باذن الله تعالى وبفضل قيادتها الحكيمة وشعبها العظيم اليوم يتجاوز دورها الإنساني إلى قيادة تحرك استراتيجي عربي ودولي يُنقذ المدنيين، ويُعيد التوازن المفقود، ويثبت أن الدم الفلسطيني ليس بلا ثمن.
فكما لن يرحم التاريخ القتلة، لن يغفر أيضاً للمتقاعسين.






