تحقيقات وملفات

قل للزمان ارجع يا زمان.. التوك توك يهدد الحنطور في المنيا بالانقراض | تقرير

تقرير – محمد علي

“قل للزمان ارجع  يا زمان”.. مقولة محفورة في أذهان المصريين يرددونها بين الحين والآخر، حينما يرون أمام أعينهم أن الأشياء الجميلة التي فيها أصالة مصر والمصريين وعبق التاريخ تتلاشى شيئًا فشيئًا.

 

الحنطور المصري

من الأشياء المصرية التي ترمز لأصالة مصر والمصريين وعبق التاريخ “الحناطير”، والتي كانت في القدم هي وسيلة الموصلات المتفردة ومتنزه للعائلات؛ لكن الآن وفي ظل تنوع وسائل المواصلات والترفيه فهي مهددة بالإنقراض من الشارع المصري، وستكون ذكرى على المسامع جيل بعد جيل.

 

الحنطور في المنيا

وفي شوارع محافظة المنيا لم يختلف الحال عن باقي شوارع محافظات مصر في كون “الحناطير” بشكلها التراثي المصري تقترب على الإنقراض، ونسرد في السطور التالية معانة هذه الوسيلة في الوقت الحاضر وكيف أنها تحتضر.

 

لقد كانت “الحناطير” في القدم هي وسيلة النقل السائدة للبشوات والبهوات ومن قبلهم الملوك وأفراد العائلة المالكة. وكان يطلق عليها “البنز” وهو عبارة عن عربة مكشوفة، وكانت الأدوات التي تصنع منها تلك العربات تستورد من الخارج من إيطاليا والنمسا وإنجلترا، إلا إنه مع مرور الوقت انتقلت الصناعة داخل مصر فبدء النجارين والحدادين والأستورجية في تصنيعها.

وينتشر استخدام “الحنطور” في محافظات مصر وبخاصةٍ في المناطق السياحية التي يكثر فيها الزيارات مثل الإسكندرية والأقصر وأسوان وغيرها من المحافظات السياحية الأخرى، علاوة على استمرار استخدامه كوسيلة مواصلات أساسية داخل مراكز بعض المحافظات مثل الغربية.

وكان لكبار المشاهير والفنانين والممثلين والمطربين من جميع أنحاء العالم  ذكريات لا تنسى مع ” الحنطور ” فهي مدونة في كتب التاريخ، فنجد فيلم ” موعد غرام ” للمطرب الراحل ” عبد الحليم حافظ ” وغيرها من الأعمال السينمائية والدرامية الأخرى مثل الفيلم الكوميدي ” تاكسي الحنطور ” عام 1945 للنجم الفنان ” إسماعيل يس ” والذي يدور حول سائق تاكسي وحنطور يدب بينهما خلاف حول على الزواج من ابنة الثاني ويعترض رفضًا لحالته المادية وفي النهاية يوافق على الزواج ويقبض على العصابة.

الحنطور في الفلكور الشعبي

ويحفل الفلكلور الشعبي المصري بالعديد من القصص والأوصاف والأغاني للحنطور وصاحبه فقد تغنى الراحل ” عبد المنعم مدبولي ” محاكيًا فيها الحنطور ومأساة سائقه، حيث قال: ” صدقني يا صاحبي صدقني طول عمري كان ولا شيء يلحقني “.

كما أن الحنطور  كان له نصيب الحظ الوافر من الأغاني الشعبية أيضًا، حيث غنى المطرب الشعبي ” سعد الصغير ”  وكذلك المطربة الشعبية ” أمينة  ” أغنية  ” أركب الحنطور “، كما قال الشاعر الراحل ” أحمد فؤاد نجم ”  “سواقة الحنطور محتاجة حد حكيم وإنت عينيك فارغة همك على البرسيم قوللي تسوقك إزاي والتبن مالي عينيك حتى اللجام واسع يا مرسي عليك ” وغيرها من الأغاني والأشعار والقصص التي تناولت الحنطور داخل الأدب الشعبي المصري.

الحنطور في محافظة المنيا

وفي شوارع محافظة المنيا كان قديمًا ” الحناطير ” هي صاحبة الكلمة العليا لكونها وسيلة النقل والترفيه للعائلات الوحيدة في ذلك التوقيت.  فكانت محافظة المنيا من المحافظات القليلة التي يتمسك أصحاب ” الحناطير ” فيها بمهنتهم، ويقاومون العديد من المشكلات، لأنها تعد مهنة ورثوها أبًا عن جدٍ، ولم يعلموا أنهم سيعانون أشد المعاناة الآن.

أما في الوقت الحالي ومع تنوع وسائل التنقل التي تعجب بها شوارع محافظة المنيا في كل مكان من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ما بين سيارات خاصة وأجرة وتاكسيات وميكروباصات  وسيرفيسات وهي وسائل نقل تتميز بالسرعة فإن “الحناطير” مهددة بالإنقراض والتلاشي، بعدما كان يصطف أصحابها صفوف في شكلٍ جماعيٍ باهرٍ وموزينينها بالأعلام والزينة والورود، وكان ميدان “عمر أفندي” أو ميدان “البوسته” في مدينة المنيا من أشهر الميادين الذي يمتلأ بــ ” الحناطير ” وسائقيها أما الآن فالمشهد مختلف كليةً.

التوك توك يهدد الحنطور في المنيا بالانقراض

ومؤخرًا بات أوضاع أصحاب الحناطير في خطر ٍ كبير وذلك لانتشار التكاتك التي يقودونها في الغالب الأعم أطفال صغار لم يبلغوا سن الرشد وليس معهم رخص للقيادة في مراكز محافظة المنيا والتي تزاحمهم في مصدر رزقهم ومعيشتهم.

ومن هنا طالب قررت رابطة أصحاب الحناطير بمدينه مغاغة، شمال محافظة المنيا، عدم دخوله مدينة مغاغة، وتوقيع عقوبة الحرق لكل توك توك يدخل المدينة، حتى لا يقضي على وسيلة النقل بــ ” الحناطير ” ويشاركهم في رزقهم.

وقال العم ” حسين إسماعيل محمود ” والبالغ من العمر الستين عامًا لجريدة ” الرأي ” والحزن على وجهه، ” إن مهنة سائقي الحنطور ليست بمهنة مستحدثة بل هي مهنة قديمة منذ مئات السنين وكان صاحب هذه الهنة معروف باسم السروجي، فلقد كان لسائقي الحناطيرأو السروجيين  شأن كبير فمنهم من كان يعمل عند الملوك والبشوات والبهوات الكبار في الدولة، ومنهم من كان لديه حنطوره الخاص الذي يعمل عليه لكسب قوت يومه، وكان له زبائنه الخاصين من كافة طبقات الشعب وكان الإحترام متبادلا ً بين الجميع، وكان التهافت على ركوب الحنطور شئ أساسي وللأسر المنياوية التي تريد الفسحة هنا وهناك “.

وأوضح ” حسين “، أنه يعمل على هذا الحنطور منذ الخمسة والأربعين عامًا أو مايزد، قائلًا: “فلقد ورثت هذه المهنة عن أبي والذي كان يعمل بها في الزمن الجميل، والذي ورثها عن أبيه وهو جدي، وكانت تدر لنا ربحًا ليس بالسيء، فقديمًا كانت قرشًا وقرشين والمبلغ المجمع خلال اليوم الواحد زهيد للغاية؛ ولكنه كان يكفينا أكل وشرب وستروفيه البركة الكثيرة، فأما الآن فمعظم عملنا على موسم المدارس وتوصيل الطلبات القريبة من المنازل ، وكان أبويا وأجدادي يقفون هنا في ميدان عمر أفندي أو ميدان البوسته”.

وأشار ” حسين “، ” بأن كل من كان يعمل سائقًا للحنطور كانت له مكانته بين السائقين حتى نهاية التسعينيات؛ ولكن تبدل الحال في السنوات الآخيرة بعد أن توقفت السياحة بالمحافظة وبدأت تتكدس الشوارع بالسيارات التاكسي، والتي يفضلها المواطنون عنا؛ ولكن يتمسك بنا العواجيز اللذين اعتادوا على ركوب الحنطور منذ عشرات السنين واللذين يتمتعون بالصبر، ويمتلكون عادات زمان  “.

وأضاف ” حسين “، ” إلى أن حالته المادية سيئة للغاية، ولا يمكنه بيع عربة الحنطور أو الحصان، لأنه لا يجد العمل البديل، وبخاصةٍ في ظل إرتفاع نسبة البطالة بالمحافظة، لافتًا إلى أن الحصان يحتاج وحده إلى ميزانية كبيرة تصل إلى30 جنيهًا يوميًا وأكثر، أي ما يعادل 900 جنية شهريًا، ولا يستطيع أن يقلل طعامه عن ذلك والذي يشمل  ذرة، وفول، وتبن، وشعير أو ردة وغيرها إضافة إلى الإنفاق على باقي المتطلبات التي تحتاج إلى التجديد كل فترة وخاصة ًحدوة الحصان “.

وتابع ” حسين “، ” بأن مهنة سائقي الحنطور هي مهنة رزق اليوم وليست رزق الشهر كالموظفين، وأن هناك أيام يكون العمل ماشي نأتي من خلاله بقوت اليوم لأولادنا، وهناك أيام تكون الحالة ضنك للغاية ولا يعلم بنا إلا خالقنا، وإذا مرض أحدنا أو مات فأسرنا لا تجد لقمة العيش ويكون مصيرهم الشارع للتسول، مطالبًا من المسئولين بديوان عام محافظة المنيا بحصر أصحاب الحناطير ومراعة ظروفهم الإجتماعية والصحية في حالة مرضهم او موتهم “.

فيما أكد العم خالد عبد الصبور حسانين ” سائق حنطور، والبالغ من العمر الأثنين والستين عامًا، بلسان كله مرارة لجريدة ” الرأي ” إن المواطنين بالمنيا لا يركبون الحناطير حاليًا ويفضلون ركوب التكسيات والميكروباصات وغيرها من وسائل النقل الحديثة، لكونها وسيلة نقل أسرع، حتى أن المخطوبين قليلاً  ما يركبون الحناطير وليس مثل زمان.

وأشار العم خالد إلى أن أرتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وشدة برودة الجو وتساقط للأمطار في فصل الشتاء ليس هما العاملان الوحيدان لعزوف الناس عن استخدام الحناطير كوسيلة للنقل، فضلًا عن غياب حركة السياحة التي قلت نسبيًا عما مضى.

وألمح العم خالد، ” بأن الموسم الخاص بأصحاب الحناطير يكون خلال فصل الصيف أما الشتاء فيغيب المواطنون عن التنزه، مشيرًا إلى أنه لم يتجرأ على الخروج من منزله خلال موجات البرد التي ضربت البلاد مؤخرًا، متابعًا أن فصل الصيف والربيع يقبل الناس على ركوب الحناطير إضافةً إلى أيام الأجازات الرسمية والأعياد التي تمتلئ خلالها منطقة كورنيش النيل وتكثر بها الحناطير بالمنطقة لإستقبال الجميع “.

وأشتكى العم خالد، من أن هناك محاولات نقل الموقف المخصص لهم من منطقة ميدان عمر أفندي إلى منطقة أخرى،  وأنهم منذ أكثر من 40 عامًا يقفون في هذا المكان، كما أن المحافظة لا يوجد فيها أي أماكن أخرى لتجمعهم “.

وطالب العم خالد من المسئولين بالمحافظة وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ بالمحافظة، بحفظ حقوقهم مؤكدًا أن أيام زمان كان هناك معني لكلمة “العز” الذي يراه صاحب الحنطور ومع مرور الوقت تحولت النظرة إلى عربجي لا حول له ولا قوة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى