ساحة الرأيفن ومنوعات

محمد حراز يكتب الأشاير والبشاير.. الفصل الثاني

أكد العقيد رفعت الجيزاوي مأمور المركز على ضرورة تأمين زفة الخليفة، وطلب من اليوزباشي رشدي أن يقوم بزرع رجال الشرطة السرِّية بين حشود المسيرة، مع ضرورة مراقبة ساحل النيل؛ بداية من مسجد الشيخ أبو النور إلى ما بعد معمل الثلج، حتى لا تتكرر حادثة العام الماضي..

المعلم عباس سردينة “أبو زينب” صاحب وكالة الخضروات والفواكة، يحمل بنفسه صينية كبيرة مزدحمة بأكواب الشربات، وأطباق العاشورة المزينة بالمكسرات، متجهَا إلى حيث يجلس الريس حمدون والمعلم دعدور على باب الحلقة، ليهنئهم بمناسبة ليلة الإسراء والمعراج..

عباس سردينة: كل عام وانتم بألف خير يا ريس حمدون .. ازيك يا معلم دعدور .. اتفضلوا..

الريس حمدون: وانت بألف خير يا معلم عباس، عوايدك يا ابو زينب

المعلم دعدور: الله يسلمك يا ابو زينب كل عام وانتم بخير

عباس سردينه: اتفضلوا عاشورة بالمكسرات ومعاها الشربات، كل سنه وانتوا طيبين..

الريس حمدون: تسلم يا ابو زينب، تصدق بإيه يا معلم دعدور؟

المعلم دعدور: لا إله إلا الله

الريس حمدون: أبو زينب بقالهُ أكتر من ١٥ سنه بيعمل

العاشورة ويوزع معاها الشربات، ما قطعش سنه..

المعلم دعدور: ربنا يديمها عادة عليه، أبو زينب دا بركة الشارع كله..

عباس سردينة: تعيش يا معلم دعدور..

وإذا بأصوات الدفوف التي تمشى أمام الموكب مباشرة تأتي إلى مسامعهم، فقال الريس حمدون: ياللا بينا نستقبل الخليفة، الزفة داخلة علينا..

يقف الريس حمدون أمام باب الحلقة وينظر لأعلى ثم ينادي على زوجته: أُم رجب .. يا أم رجب، فترد أُم رجب من خلف الشباك بالدور الثاني: نعمين يا معلم
الريس حمدون: حضري الماورد والملبس .. عايز الزفة كلها تاكل ملبس وتتنغنغ بالماورد..

تفتح أم رجب الشباك وتقول: كل حاجة متحضرة وجاهزة يا ابو رجب..

وصل حاملي الأشاير (الرايات) قبل حلقة الريس حمدون بخطوات قليلة، وإذ بعدد من المجاذيب يمشون أمام فرس الخليفة، كان من بينهم الشيخ أحمد القللي الذي ظل يتمايل يمينا ويساراً ويقول : مدااااد .. حي؛ مدااااد حي…….

أما على أبو قشاية فكان يتمايل بجوار أحمد القللي، وهو يمسك بقطعة من الجريد يرفعها لأعلى ويقول: العالي .. العالي …..

وكان الشيخ مرجان الطيار يمتطي (يركب) جريدة متخذا منها حصانا، واضعا في رأسه شوالا من الخيش، جاعلاً منه عباءة تتدلى فوق ظهره، وكان يسير بحصانه (الجريدة) بجوار فرس الخليفة، مقلدًا نفس حركات الخليفة.

أمام حلقة الريس حمدون، يتهادى الركب، فيرفع المجاذيب أصواتهم بالمدد: مداااااد .. حيَّ .. بينماالخليفة يتمايل يمينا ويساراً، والناس يكبرون من حوله”.

مظهر افندي باشكاتب شونة جمع الأقطان، يضع في عروة جاكتته الحمراء وردة بيضاء، ويمسك بيده منشة مصنوعة من جريد النخل، وكل مايهمهُ من مصاحبة ركب الخليفة، هو إلقاء نظرة على شُباك

محبوبته “نرجس” اثناء مرور الموكب من أمام منزلها، حيث كان يستغل الموقف ليسترق النظرات إليها أكثر من مرة، وهو يقول مداااد، ثم يغمز بعينه وهو يأنق طربوشه بيده اليسرى…

أما الشيخ صميدة فكانت مهمته هي جمع التبرعات والهبات من كبار التجار، فكان يتوقف أمام المحلات والوكالات ليتلقى ما يدفعونه من أموال لتعمير المقامات والأضرحة، التي تكون في حاجة للتعمير، كما يقولون..

يخرج المعلم حمدون فيمسك بلجام فرس الخليفة ويقول: مدد ياصاحب المدد .. الغياب طال، والصبر مُحال يا سيدنا، فيرد صميده بصوت متقطع: فات الكتير وباقي القليل .. اصبر تنول يا حمدون

حمدون (مسترسلاً): مدد من غير عدد، مدد يا صاحب المدد، ثم أخرج مبلغ من المال وضعه في حجر الشيخ

صميده وقال: مدد يا سيدنا مدد، لتنطلق الزغاريد من منزله، وإذا بماء الورد والملبس يتناثر فوق رؤوس الناس مثل المطر، وسط هذا المشهد، الذى يحاول كل من فيه التقرب من الخليفة؛ لينال بركته؛ إلا “ملقاط” الذى يجد فيه اللحظة المناسبة لتفتيش جيوب الناس المحتشدة فى الموكب وسرقتهم..

أما المشهد الأكثر غرابة حقا فهو هرولة الأعيان، و وجهاء المدينة وأصحاب الحوانيت وتسابقهم إلى وضع الأموال في حجر الشيخ صميده عند مرور المسيرة من أمامهم ، بينما يسارع المعلم عباس سردينة بتوزيع أطباق العاشورة على الجميع، كما يرسل صبيانه لتوزيع أطباق العاشورة على الناس في منازلهم..

أما المعلم عبده القهوجي صاحب مقهى معاطي، فيصمم على إيقاف المسيرة أمامه، ليقف كما لو كان قائدا لفرقة موسيقية أمام فرس الخليفة، مشيرا بيده لفرقة الإنشاد الديني التى احضرهااحضرها على نفقته الخاصة من مدينة دسوق لتبدأ فى مدح رسول الله إكراما للخليفة، واحتفالا بليلة الإسراء والمعراج؛ لتعم البهجة أرجاء المدينة..

وأثناء انشغال الناس بالأناشيد ومدح الرسول جاء توحتح ونادى على المعلم حمدون: يا معلمي .. يا معلمي

الريس حمدون: في إيه يا ولا؟!

توحتح: الريس صديق بيقولك انه طلع السمك من المراكب على السقالة، وكل المعلمين استلموا سمكهم ..

مفيش غير حصة المعلم دعدور لسه في المركب مطلعهاش .. يطلعها يتلجها ويدخلها المخازن، ولاَّ ينتظر لما تيجي ياسيد الناس؟!

الريس حمدون يقوم بصفع توحتح على قفاه ويقول: انت اتعميت يا ولاا، المعلم دعدور قاعد قدامك آهو يا بأف، تعالى سلم

توحتح وقد وضع يده اليسرى متحسسا قفاه منحنيا أمام المعلم دعدور: حمدالله بالسلامه ياسيد الناس “ممررا يده على قفاه”، معلش يا سيد الناس، من كتر الشيل على قفايا مش شايوع قدامي..

المعلم دعدور: عامل إيه ياض يا توحتح

توحتح: فضل ونعمه يا سيد الناس

المعلم دعدور: لسه امك ياض بتعمل أعمال

توحتح يهرش موضع الصفعة، ثم يرجع للوراء قليلا ً ويقول: شغالة يا سيد الناس

الريس حمدون: طب ياللا اسبقنا بلاش غَلَبَه، وبلغ الريس صديق يجهز نقلة المعلم دعدور، واحنا جايين وراك…

توحتح: حمامه يا سيد الناس

بعد انتهاء أجواء المسيرة، والصمت يكسو المكان، وقبل وصول الريس حمدون والمعلم دعدور إلى الشاطئ كانت هناك نارا أشعلها الصيادون، وكان الشيخ أحمد القللي واقفا وسط الصيادين و(قلته) في يده، يحكي لهم وهم يضحكون: قمت برفع السيف وقلت له بارزني يا حمدون، ألا تجيد القتال؟!
فيسأله الصيادون، هااا وقتلته؟!

حينئذّ رفع الشيخ احمد (قلته) إلى أعلى وقال: نعم ضربته بسيفي هذا فقطعت به رأسه..

فوقعوا على ظهورهم من كثرة الضحك، حتى وصل الريس حمدون فرأى الشيخ أحمد ورأى رجاله وهم يضحكون، فقال: أمشى مشش في ركبك مجنون زي أهلك.. فاقترب منه الشيخ أحمد وقال: خلي بالك يا حمدون اللي غايب ماهش راجع، واللي قاعد ماهش عاجب، ثم انطلق وهو يصرخ ويقول: مدااااد .. مدد، بعد قيامه بكسر القلة تحت أقدام الريس حمدون..

الريس دعدور: الجدع ده غريب قوي يا بو رجب
الريس حمدون: متاخدش في بالك يابو كرومه، دا ولد غلبان من مجاذيب الخليفة..

سأل الريس صديق، الريس حمدون: آطفي النار يا ريس؟!

الريس حمدون: احنا بنسرق ياغشيم؟! شوف يا صديق، طول ما لنار قايدة، الديابة بعيد عنك، قول للرجالة يطلعوا الطوايل من المركب لعربية المعلم دعدور .. وخليهم يشهلوا..

الريس صديق: على راسي يا بو رجب

المعلم دعدور: اتفضل يا معلم حمدون، عِد فلوسك…
الريس حمدون: عيب يا معلم دعدور، وانا من امتى بعد وراك…

مركز البوليس
في اليوم التالي للمسيرة اليوزباشي رشدي: صباح الخير يا حضرة المأمور

العقيد رفعت الجيزاوي: صباح الخير يا رشدي افندي
المأمور: ازاي ده حصل يا رشدي افندي؟!

أُمال لو مكانش رجال الشرطة السرية منتشرين في كل مكان؟!

اليوزباشي رشدي: كنا منتشرين داخل المسيرة، وشاطئ النيل ما غابش عن عنينا لحظة واحدة
المأمور: دي رابع جريمة قتل تحصل أثناء أو عقب انتهاء المسيرة، الجرائد بدأت تتكلم وتتهمنا بالتقصير في حماية أرواح المواطنين؛ حكمدار المديرية بيهدد بتحويل قوة المركز بالكامل للتحقيق ونقلها، إن ما كناش نحل اللغز ونقبض على المجرمين في أسرع وقت ممكن..

اليوزباشي رشدي: يا حضرة المأمور، أنا هاغير الخطة وأوعد سعادتك بكشف المجرمين .. اديني فرصة أخيرة

المأمور: خد بالك إن الوقت أصبح مش في صالحنا يا رشدي أفندي..

اليوزباشي رشدي: مش ملاحظ يا فندم أن الجرائم الأربعة تم الإبلاغ عنها تاني يوم من المسيرة، مش تالت يوم، أو رابع يوم…

المأمور: عايز تقول إيه يا رشدي افندي؟!

اليوزباشي رشدي: عايز أقول ان اللي قام بالجرائم الأربعة هو شخص واحد، عايز يشغلنا في توقيت زمني اختاره بدقة، وهو قبل وأثناء وبعد المسيرة..
المأمور: أيوة تمام .. ودا أكيد علشان يشتتنا في هذا التوقيت

اليوزباشي رشدي: فلو قربنا من الخليفة، وقدرنا نكون جنبه أكتر، أكيد هنلاقي حاجة توصلنا لبداية أول خيط في القضية

المأمور: الخليفة مش بيغيب عن عنينا لحظة.. والريس حمدون مش مقصر معانا….
اليوزباشي رشدي: يبقى نجيب خليفة بمعرفتنا..
إلى اللقاء في الفصل الثالث

السيد الأعرج

محرر متخصص في تغطية أهم أخبار والأحداث الرياضة محلياً وعالمياً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى