فن ومنوعات

ظلمتهم السينما المصرية تعرف على مشوار أشهر ثنائي العصابات في الخمسينات

إسراء البواردي

كان رصيد الأخوين ميمو وجمال رمسيس في السينما المصرية في عام 1960،ثلاثة أفلام فقط، ورغم ذلك كانا حديث الوسط الفني. في هذا الوقت لم يكن قد عُرض لهما سوى فيلمين، اشتركا في الأول معاً، وظهر جمال بمفرده في الثاني، بينما كان ميمو في انتظار عرض الفيلم الثالث الذي ظهر فيه وحده كذلك.

ورغم بساطة أدوارهما في الأفلام الثلاثة، إلا أن أداءهما المتميز كان يبشر بصعود كبير لنجمين مهمين في السينما المصرية، بعدما أظهرا موهبة حقيقية وحضورًا لافتًا جعل الكثيرين يتنبأون لهما بمستقبل فني واعد وبنجومية حقيقية كانت في انتظارهما، بدأت بوادرها عندما وعدهما المنتج جمال الليثي بإنتاج فيلم من بطولتهما إلى جوار نجم مصر الأول في ذلك الوقت “إسماعيل يس” استثمارًا لنجاحهما الذي لم ينكره أحد.

وفي الوقت الذي كان يترقب فيه الجميع انطلاقة ميمو وجمال رمسيس الفنية، وفي ليلة لم نستطع تحديد تاريخها بدقة في ذلك العام (1960)، استيقظ الوسط الفني ليكتشف أن الأخوين رمسيس اختفيا فجأة وبدون أية مقدمات، بل أن جيرانهما في الشارع الذي كانا يقطنان به بحي شبرا فوجئوا بأنهما غير موجودين بالمنزل!

حيث كان ميمو وجمال لهما صداقات كثيرة مع نجوم السينما العالمية، ربما لم يكن سبب هذه الصداقات عملهما في السينما كما عملا على الكثير من مسارح أوروبا الشهيرة، ليس كممثلين، ولكن كأبطال سيرك كان من الأشهر حينها.

ميمو وجمال شاركا في أفلام أوروبية فعلا، ليس فقط الفيلم الفرنسي “ليس هناك سطو على ريكاردو”، وربما كانت الأفلام ، ولكن لم يكن حظها بأفضل من حظ الفيلم البلجيكي الذي أنتجاه، لذا اختفت ونسيها الجميع، وربما ما قالاه كان مجرد وعود يتوقعان تحقيقها في تلك الفترة.

الفيلم تقوم ببطولته دورا دول، وأرماند بيرنارد، وروبرت بيري، وهنري لورانس، ويحكي قصة مطرب مغمور يعيش في مارسيليا، يحصد إحدى جوائز الغناء في مدينته الساحلية، ولكنه يسعى إلى تجربة حظه في باريس، وعندما يسافر بالفعل يقع فريسة أحد أفراد العصابات، الذي يوهمه بأنه سيعمل في الملهى الباريسي الشهير Folies Parisiennes، ولكن يجد نفسه متورطاً مع عصابة تقوم بعمليات إجرامية.

المدهش أن شخصيتا جمال وميمو في الفيلم، شبيهة للغاية بشخصيتهما في فيلم “إسماعيل يس بوليس سري”، حيث جسدا أدوار فردين في العصابة أيضاً، ولكن كان من اللافت أنهما أظهرا في بعض مشاهد الفيلم رشاقة وقدرة على أداء بعض الحركات الأكروباتية الخطرة، ومن دون الاستعانة بدوبلير، وذلك أثناء أدائهما لشجار وقع بين ميمو وجمال رمسيس ضمن الأحداث!

ميمو وجمال لم يغادرا مصر بشكل مفاجئ، ولم يهربا لأي سبب، وإنما غادرا بحثا عن مجد سينمائي لم ينجحا في تحقيقه، ورغم ذلك كانا يزوران مصر بين الحين والآخر ويتبادلان الخطابات مع عائلتهما في منوف، ولكن غيابهما الطويل، فتح الباب لكثير من التكهنات التي تحولت مع مرور الزمن إلى حقائق لدى البعض.

جمال ربما لم يسمع أبدا عن أن البعض يربط بينه وبين العميل المصري “رفعت الجمال” – رأفت الهجان – بل ربما أنه لم يسمع برفعت الجمال من الأصل.

الاثنين التحقا بأحد مسارح باريس، ونجحا في أدوارهما هناك ما لفت إليهما أنظار أصحاب مسارح “اللاييسيه” و”أوليمبيا” و”مولان روج”، ما دفع أصحاب هذه المسارع للتعاقد معهما من أجل التمثيل، ثم أتاح لهما منتج فرنسي يدعى “باريير” فرصة العمل في فيلم بعنوان “ليلة في باريس”، وظهرا في المشاهد الاستعراضية التي تضمنها هذا الفيلم، ثم تتابعت الأعمال السينمائية التي شاركا فيها، مثل فيلم “إجازة للقتل” الذي قام ببطولته “جان ماريه” و”دورا أدول” وفيلم “سفينة في الجنة” الذي مثل فيه الأخوان دوري اثنين من البحارة المغامرين، ليضيف كاتب الحوار إنهما اشتركا في ستة أفلام، بعضها من أشهر الأفلام الفرنسية التي ظهرت في سنوات الخمسينيات.

إلا أن تاريخهما الفني لم يقتصر على أوروبا فقط، وفي سنة 1956 عملا في مسارح أمريكا، حيث جذبا انتباه المخرج الكبير “ألفريد هتشكوك”، فأظهرهما معه في برنامج تلفزيوني مسلسل قالا إن عرضه استغرق أكثر من ستة أشهر، كما عملا في عدد من الأفلام الأمريكية وتعرفا ببعض نجوم السينما الأوائل، من بينهم “فريجينا مايو” التي ربط الحب بينها وبين جمال، وكان يمكن أن يتوج حبهما هذا بالزواج، لولا أمها التي وقفت في طريق هذه الزيجة.

ميمو وجمال غادرا مصر وهما غير مدركين حجم التأثير الذي تركاه خلفهما بأدوارهما البسيطة، وربما مات جمال في ٢٠٠٢وهو لا يعلم أن المصريين مازالوا يتذكرونه هو وشقيقه وينسجون حولهما الكثير من القصص والشائعات، والدليل على ذلك أن سوزانا وشقيقتها الكبرى لم يعرفا بأن هناك من يهتم بأمر خاليهما إلا منذ فترة قصيرة، وفوجئتا بكم الأخبار والقصص المنتشرة عنهما بالمواقع المصرية وعلى اليوتيوب تحديدا، الذي ساهم بشكل أساسي في صناعة أسطورتهما.

رحل ميمو وجمال غريبين عن وطنهما، ودفن كل منهما في بلد بعيدا عن الآخر، بعد رحلة استثنائية أظهرا خلالها موهبة نادرة، وارتحلا فيها بين بلاد الله الواسعة.. رحل جمال وميمو وهما أبسط كثيرا مما توقع الجميع، تاركين خلفهما قصة مختلفة، استحقت أن تروى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى